فصل(١)
احتجت المعتزلة بقوله : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) على أن الشفاعة في الآخرة لا تكون لأهل الكبائر ، لأنه لا يقال في أهل الكبائر : إن الله يرتضيهم.
والجواب : قول ابن عباس والضحاك : أن معنى (إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) أي لمن قال : لا إله إلا الله. وهذه الآية من أقوى الدلائل في إثبات الشفاعة لأهل الكبائر ، وهو أن من قال لا إله إلا الله فقد ارتضاه الله في ذلك ، ومتى صدق عليه أنه ارتضاه الله في ذلك (فقد صدق عليه أنه ارتضاه الله) (٢) لأن المركب متى صدق عليه أنه ارتضاه فقد صدق لا محالة كل واحد من أجزائه ، وإذا ثبت أن الله سبحانه قد ارتضاه وجب اندراجه تحت هذه الآية ، فثبت بما ذكرنا أن هذه الآية من أقوى الدلائل لنا على ما قرره ابن عباس.
فصل(٣)
دلّت الآية على أن الملائكة مكلفون لقوله : (وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) ، وعلى (٤) أن الملائكة معصومون. قوله : (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) قال القاضي عبد الجبار : هذا يدل على أن كل ظالم يجزيه الله جهنم ، كما توعد الملائكة به ، وذلك يوجب القطع بأنه تعالى لا يغفر الكبائر في الآخرة. وأجيب بأن أقصى(٥) ما فيه أن هذا العموم مشعر بالوعيد ، وهو معارض بعمومات الوعد.
والمراد ب «الظّالمين» الواضعين الإلهية والعبادة في غير موضعها.
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠) وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)(٣٣)
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآيات. اعلم أنه تعالى شرع الآن في الدلائل الدالة على وجود الصانع ، وعلى كونه منزها عن الشريك ، وعلى التوحيد ، فتكون
__________________
ـ جهنم ، أي نكفيها به ، ثم حذف حرف الجر فصار نجزئه جهنم ، أي نطعمه جهنم ، كما حذف حرف الجر في قوله تعالى : «وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً» [الأعراف : ١٥٥] أي من قومه ، ثم أبدلت الهمزة من «نجزئه» ياء على حد أخطيت وإبدال الهمزة هنا ياء لغير علة إلا طلبا للتخفيف. انظر المحتسب ٢ / ٦٢ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٧٣٩ ، وانظر أيضا البحر المحيط ٦ / ٣٠٧.
(١) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٦٠.
(٢) ما بين القوسين سقط من ب.
(٣) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٦٠ ـ ١٦١.
(٤) في ب : على.
(٥) في ب : أقضى.