قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ) الآية. اعلم أن هذه الآية مقررة لما سبقها من آيات التوحيد. وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «نوحي» بالنون وكسر الحاء على التعظيم لقوله : «أرسلنا» وقرأ الآخرون بالياء وفتح الحاء على الفعل المجهول (١).
قوله تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (٢٨) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ)(٢٩)
قوله : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) الآية.
لما بيّن بالدلائل القاهرة كونه منزها عن الشريك والضد والند أردف ذلك ببراءته عن اتخاذ الولد (٢). قال (٣) المفسرون : نزلت في خزاعة حيث قالوا : الملائكة بنات الله ، وقالوا : إنه تعالى صاهر الجن على ما حكى الله تعالى عنهم فقال : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً)(٤)(٥). ثم إنه تعالى نزه نفسه عن ذلك بقوله : «سبحانه» ، لأن الولد لا بد وأن يكون شبيها بالوالد (٦) ، فلو كان لله ما يشبهه من بعض الوجوه فلا بد وأن يخالفه من وجه آخر ، وما به المشاركة غير ما به الممايزة فيقع التركيب في ذات الله تعالى ، وكل مركب ممكن ، فاتخاذه للولد يدل على كونه ممكنا غير واجب ، وذلك يخرجه عن حد الإلهية ويدخله في حد العبودية ، فلذلك نزه نفسه (٧). قوله : «بل عباد» «عباد» خبر مبتدأ مضمر ، أي هم عباد (٨) ، و«مكرمون» (٩) في قراءة العامة مخفف ، وقراءة عكرمة مشدد (١٠) و«لا يسبقونه» جملة في محل رفع صفة ل «عباد» (١١) والعامة على كسر الباء في «يسبقونه» وقرىء بضمها (١٢) وخرجت على أنه مضارع سبقه ، أي : غلبه في السبق ، يقال : سابقه فسبقه يسبقه أي : غلبه في السبق ، ومضارع فعل في المغالبة مضموم العين مطلقا إلا في يائيّ (١٣) العين أو لامه (١٤) والمراد لا يسبقونه بقوله ، فعوض الألف واللام عن
__________________
(١) السبعة (٤٢٨) ، الكشف ٢ / ١٤ ـ ١٥ ، الإتحاف ٣٠٩.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٥٩.
(٣) في الأصل : قالت.
(٤) من قوله تعالى : «وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ» [الصافات : ١٥٨].
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٥٩.
(٦) في الأصل : بالولد. وهو تحريف.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٥٩.
(٨) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٨٣ ، البيان ٢ / ١٦٠ ، التبيان ٢ / ٩١٦.
(٩) في ب : ومكرموني. وهو تحريف.
(١٠) المختصر : (٩١) البحر المحيط ٦ / ٣٠٧.
(١١) انظر التبيان ٢ / ٩١٦.
(١٢) انظر المختصر (٩١) ، الكشاف ٣ / ٩ ، البحر المحيط ٦ / ٣٠٧.
(١٣) في الأصل : ثاني. وهو تحريف.
(١٤) وذلك أن مضارع (فعل) بفتح العين في باب المغالبة يكون على (يفعل) بضم العين ، ومعنى المغالبة أن ـ