أحدها : أن ذلك الخوف كان من نفرة (١) الطبع لأنه ـ عليهالسلام (٢) ـ ما شاهد مثل ذلك قط ، وهذا معلوم بدلائل العقول. قال أبو القاسم الأنصاري (٣) : وذلك الخوف من أقوى الدلائل على صدقه في النبوة ، لأن الساحر يعلم أن الذي أتى به تمويه فلا يخافه البتة.
وثانيها (٤) : خاف لأنه عليهالسلام (٥) عرف ما لقي آدم منها.
وثالثها : أن مجرد قوله : (وَلا تَخَفْ) لا يدل على حصول الخوف كقوله : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ)(٦) لا يدل على وجود تلك الطاعة ، لكن قوله : (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً)(٧) يدل عليه (٨).
فصل
قال المفسرون : كان على (٩) موسى (١٠) مدرعة من صوف قد خللها (١١) بعيدان (١٢). فلما قال له : «خذها» لف طرف المدرعة على يده ، فأمره الله أن يكشف يده ، فكشف. وقيل : إن ملكا قال : أرأيت لو أذن الله بما تحاذره أكانت المدرعة تغني عنك شيئا؟ فقال : لا ولكني ضعيف ، ومن ضعف خلقت (١٣) ، فكشف (١٤) يده ، ثم وضعها في فم الحية فإذا هي عصا كما كانت ، ويده في شعبتيها في الموضع الذي يضعها إذا توكّأ (١٥). واعلم إن إدخاله يده في فم الحية من غير ضرر معجزة وانقلابها خشبا معجز آخر ، وانقلاب العصا حيّة معجز آخر ، ففيها توالي معجزات مع المآرب (١٦) التي تقدمت.
قوله تعالى : (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى)(٢٣)
قوله : (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ) لا بد هنا من حذف والتقدير : واضمم يدك تنضم
__________________
(١) في ب : نفر. وهو تحريف.
(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٣) سلمان بن ناصر بن عمران أبو القاسم الأنصاري النيسابوري ، الفقيه الصوفي إمام الحرمين ، كان بارعا في الأصول ، وصنف في التفسير ، وشرح الإرشاد لشيخه سمع الحديث من عبد الغفار الفارسي وكريمة المروذية وغيرهما مات سنة ٥١٢ ه. طبقات المفسرين للسيوطي ٥٢ ، طبقات المفسرين للداودي ١ / ١٩٣ ـ ١٩٤.
(٤) في ب : والثاني.
(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٦) [الأحزاب : ١ ، ٤٨].
(٧) [النمل : ١٠] ، [القصص : ٣١].
(٨) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢٨ ـ ٢٩.
(٩) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٤١٨.
(١٠) في ب : موسى عليه الصلاة والسلام.
(١١) في الأصل : فدخلها ، وفي ب : قد خلها. وهو تحريف.
(١٢) بعيدان : سقط من ب.
(١٣) في ب : خفت. وهو تحريف.
(١٤) في ب : ثم كشف.
(١٥) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٤١٨.
(١٦) في ب : والمآرب.