أحدهما : أنه عائد على «ربّي» أي : ولا ينسى ربّي ما أثبته في الكتاب.
والثاني : أن الفاعل ضمير عائد على «الكتاب» على سبيل المجاز (١) كما أسند إليه الاحصاء مجازا (٢) في قوله : (إِلَّا أَحْصاها)(٣) لما كان محلا للإحصاء (٤).
فصل
قال مجاهد (٥) في قوله : (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) : إن معنى اللفظين واحد أي : لا يذهب عليه شيء ولا يخفى عنه. وفرق الأكثرون بينهما ، فقال القفال (٦) : لا يضلّ عن الأشياء ومعرفتها ، وما علم من ذلك لم ينسه ، فاللفظ الأول إشارة (٧) إلى كونه عالما بكل المعلومات ، وقوله : (وَلا يَنْسى) دليل على بقاء ذلك العلم أبد الآباد ، وهو إشارة إلى نفي التغير.
وقال مقاتل : لا يخطىء ذلك الكتاب ربّي ، ولا ينسى ما فيه.
(وقال الحسن : لا يخطىء وقت البعث ولا ينساه. وقال أبو عمرو : وأصل الضلال الغيبوبة ، والمعنى: لا يغيب عن شيء ولا يغيب عنه شيء.
وقال ابن جرير : لا يخطىء في التدبير ، فيعتقد فيما ليس بصواب كونه صوابا ، وإذا عرفه لا ينساه(٨)) (٩). وكلها متقاربة ، والتحقيق هو الأول (١٠). واعلم (١١) أن فرعون لمّا سأل موسى عن الإله فقال : (فَمَنْ (١٢) رَبُّكُما) وكان ذلك ممّا سبيله الاستدلال ، أجاب بالصواب بأوجز عبارة ، وأحسن معنى ، ولما سأله عن القرون الأولى ، وكان ذلك مما سبيله الإخبار لم يأته خبر من ذلك ، وكلها إلى عالم الغيوب (١٣).
قوله : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ) في هذا الموصول وجهان :
أحدهما : أنه خبر مبتدأ مضمر (١٤) ، أو منصوب بإضمار أمدح (١٥) ، وهو (١٦) على هذين التقديرين من كلام الله تعالى لا من كلام موسى ، وإنما احتجنا إلى ذلك ، لأن
__________________
(١) فإسناد عدم النسيان إلى الكتاب استعارة.
(٢) كذا في ب ، وفي الأصل : مجاز.
(٣) من قوله تعالى :«وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً» [الكهف : ٤٩].
(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٤٩.
(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٦٧.
(٦) في ب : فقال الفراء ، وهو تحريف.
(٧) إشارة : سقط من ب.
(٨) انظر جامع البيان.
(٩) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٠) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٦٧.
(١١) في ب : فصل واعلم.
(١٢) في ب : من.
(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٦٧.
(١٤) في ب : مضمرا. وهو تحريف.
(١٥) انظر الكشاف ٢ / ٤٣٦ ، والقرطبي ١١ / ٢٠٩.
(١٦) في ب : فهو.