والثاني : أن الله تعالى ما ردّ دعاءه.
والثالث : كون المطلوب سببا للمنفعة في الدّين ، ثم بعد ذلك صرّح بالسّؤال.
أمّا كونه ضعيفا ، فالضّعيف : إمّا أن يكون في الباطن ، أو في الظّاهر ، والضّعف في الباطن أقوى من ضعف الظّاهر ، فلهذا ابتدأ ببيان ضعف الباطن ، فقال : (وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) وذلك لأنّ العظم أصلب أعضاء البدن ، وجعل كذلك لمنفعتين :
الأولى : ليكون أساسا وعمدا يعتمد عليها بقيّة الأعضاء ؛ لأنّها موضوعة على العظام ، والحامل يجب أن يكون أقوى من المحمول عليه.
الثاني : أنّها في بعض المواضع وقاية لغيرها.
واحتج أصحاب القول الأوّل أنّه إذا ... (١) أوّلا ، ثم ردّ بأنها تكون كغيرها من الأعضاء كعظام الصّلف وقحف الرأس ، وما كان كذلك ، فيجب أن يكون صلبا ؛ ليصبر على ملاقاة الآفات ، ومتى كان العظم صلبا ، فمتى وصل الضعف إليه ، كان ضعف ما عداه مع رخاوته أولى ؛ ولأنّ العظم حامل لسائر الأعضاء ، فوصول الضعف إلى الحامل موجب لوصوله إلى المحمول ، فلهذا خصّ العظم بالوهن من بين سائر الأعضاء.
وأما ضعف الظاهر ، فلاستيلاء ضعف الباطن عليه ، وذلك ممّا يزيد الدّعاء تأكيدا ؛ لما فيه من الارتكان على حول الله وقوته.
وأما كونه غير مردود الدّعاء ، فوجه توسله به من وجهين :
الأول : أنّه إذا قبله أوّلا ، فلو ردّه ثانيا ، لكان الردّ محبطا للإنعام الأول ، والمنعم لا يسعى في إحباط إنعامه.
والثاني : أنّ مخالفة العادة تشقّ على النّفس ، فإذا تعوّد الإنسان إجابة الدّعاء ، فلو ردّ بعد ذلك ، لكان ذلك في غاية المشقّة ، والجفاء ممن يتوقع منه الإنعام يكون أشقّ ، فكأنّ زكريّا ـ عليهالسلام ـ قال : إنك إن رددتّني بعدما عودتّني القبول مع نهاية ضعفي ، كان ذلك بالغا إلى النّهاية القصوى في [ألم](٢) القلب ، فقال : (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا).
تقول العرب : سعد فلان بحاجته : إذا ظفر بها ، وشقي بها : إذا خاب ، ولم [يبلغها](٣).
وأمّا كون المطلوب منتفعا به في الدّين ، فهو قوله : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي).
فصل في اختلافهم في المراد من قوله : (خِفْتُ الْمَوالِيَ)
قال ابن عباس والحسن : الموالي : الورثة (٤) وقد تقدم.
__________________
(١) موضع النقط بياض في الأصل.
(٢) في أ : ضعف.
(٣) في ب : يذلها.
(٤) تقدم.