يقول : فلعل (١) موسى اطلع أيضا على شيء آخر يشبه ذلك ، فلأجله (٢) أتى بالمعجزات ، فرجع حاصله إلى سؤال من يطعن في المعجزات ويقول : لم لا يجوز أن يقال : إنّهم أتوا بهذه المعجزات لاختصاصهم بمعرفة بعض الأدوية التي لها خاصية أن يفيد حصول تلك المعجزة ، وحينئذ ينسد باب المعجزات بالكلية (٣).
ثم قال : (وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) أي زينت ، والمعنى : فعلت ما دعتني إليه نفسي ، وسولت مأخوذة من السؤال (٤).
قوله تعالى : (قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (٩٧) إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً)(٩٨)
قوله : (فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ) قرأ العامة بكسر الميم وفتح السين ، وهو مصدر لفاعل (٥) كالقتال من قاتل (٦) ، فهو يقتضي المشاركة ، وفي التفسير : لا تمسّني ولا أمسك (٧) وإن من (٨) مسّه أصابته الحمّى.
وقرأ الحسن وأبو حيوة وابن أبي عبلة (وقعنب) (٩)(١٠) بفتح الميم وكسر السين ، هكذا عبّر أبو حيّان (١١) ، وتبع فيه أبا (١٢) البقاء (١٣). ومتى أخذنا (١٤) بظاهر هذه العبارة لزم أن يقرأ «مسيس» بقلب الألف ياء لانكسار ما قبلها ، ولكن لم يرو ذلك فينبغي أن يكونوا أرادوا بالكسر الإمالة (١٥) ، ويدل على ذلك ما قاله الزمخشري : وقرىء (١٦) «لا
__________________
(١) فلعل : سقط من ب.
(٢) في ب : ولأجله.
(٣) الفخر الرازي ٢٢ / ١١١.
(٤) أصل السّول مهموز عند العرب ، استثقلوا ضغطة الهمزة فيه فتكلموا به بتخفيف الهمز. اللسان (سول).
(٥) أي مصدر (ماس).
(٦) في ب : يقاتل.
(٧) أي أنه منفي ب (لا) التي لنفي الجنس وهو نفي أريد به النهي. البحر المحيط ٦ / ٢٧٥.
(٨) من : سقط من ب.
(٩) وهو قعنب بن أبي قعنب أبو السّمّال العدوي البصري. تقدمت ترجمته.
(١٠) ما بين القوسين سقط من ب.
(١١) البحر المحيط ٦ / ٢٧٥.
(١٢) في ب : أبو.
(١٣) قال أبو البقاء : (ويقرأ بفتح الميم وكسر السين ، وهو اسم فعل ، أي : لا تمسني وقيل : هو اسم للخبر ، أي : لا يكون بيننا مماسة) التبيان ٢ / ٩٠٣ ويفهم من كلام أبي البقاء أن المراد بكسر السين :
كسر السين الثانية.
(١٤) في ب : أخذت.
(١٥) الإمالة : أن ينحى بالفتحة نحو الكسرة ، وهي لغة بني تميم ، وأهل الحجاز لا يميلون. شرح الشافية ٣ / ٤.
(١٦) في ب : وقرأ.