الجملة في محل نصب نعتا ل «رجالا» و«إليهم» في القراءة الأولى منصوب المحل ، والمفعول محذوف ، أي : نوحي إليهم القرآن أو الذكر. ومرفوع المحلّ في القراءة الثانية لقيامه مقام الفاعل (١).
فصل
قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (٨) ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩) لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ)(١٠)
اعلم أنه تعالى أجاب عن سؤالهم الأول وهو قولهم : (هَلْ (٢) هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) بقوله :
(وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) فبين أن هذه عادة الله في الرسل من قبل محمد ـ عليهالسلام (٣) ـ ولم يمنع ذلك من كونهم رسلا ، وإذا صح ذلك فيهم فقد ظهر على محمد مثل آياتهم (٤).
(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) يعني علماء أهل الكتاب حتى يعلموكم أن رسل الله الموحى إليهم كانوا بشرا ، ولم يكونوا ملائكة ، وإنما أحالهم على أولئك ، لأنهم كانوا يتابعون المشركين في معاداة الرسول (٥) ، وأمر المشركين بمساءلة أهل الكتاب ، لأنهم إلى تصديق من لم يؤمن بالنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أقرب منهم إلى تصديق من آمن قال تعالى : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً)(٦) فإن قيل: إذا لم يوثق باليهود والنصارى فكيف يجوز أن يأمرهم بأن يسألوهم عن الرسل؟
فالجواب : إذا تواتر خبرهم وبلغ حدّ الضرورة جاز ذلك ، لأنّا نعلم بخبر الكفار إذا تواتر كما نعلم بخبر المؤمنين (٧). وقال ابن زيد : أراد بأهل الذكر المؤمنين (٨) ، وهو بعيد ، لأنهم كانوا طاعنين في القرآن وفي الرسول.
فأما تعلق كثير من الفقهاء بهذه الآية في أن للقاضي أن يرجع إلى فتيا العلماء وفي أن للمجتهد أن يأخذ بقول مجتهد آخر ، فبعيد ، لأن هذه الآية خطاب مشافهة ، وهي
__________________
ـ هناك : قرأ العامة : «يوحي» بالياء من تحت مبنيّا للمفعول ، وقرأ حفص «نوحي» بالنون وكسر الحاء مبنيّا للفاعل ، وكذلك قرأ ما في النحل وأول الأنبياء. انظر اللباب ٥ / ٧٧.
(١) انظر التبيان ٢ / ٩١٢.
(٢) في النسختين : ما.
(٣) في ب : صلىاللهعليهوسلم.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٤٤.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٤٤.
(٦) [آل عمران : ١٨٦].
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٤٤.
(٨) انظر البغوي ٥ / ٤٧٦. والقرطبي ١١ / ٢٧٢.