لَهُ كاتِبُونَ (٩٤) وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (٩٥) حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (٩٦) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ)(٩٧)
قوله تعالى (١) : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) الآية. لمّا ذكر أمر الأمّة وتفرقهم ، وأنهم راجعون إلى حيث لا أمر إلا له أتبع ذلك بقوله : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ) لا نجحد ولا نبطل سعيه (٢).
والكفران مصدر بمعنى الكفر ، قال :
٣٧٣٣ ـ رأيت أناسا لا تنام خدودهم |
|
وخدّي ولا كفران لله نائم (٣) |
و«لسعيه» متعلق بمحذوف ، أي : نكفر لسعيه ، ولا يتعلق ب «كفران» لأنه (٤) يصير مطولا ، والمطول ينصب وهذا مبني (٥). والضمير في «له» يعود على السعي (٦). والمعنى (٧) : لا بطلان لثواب عمله ، وهو كقوله : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً)(٨).
فالكفران مثل في حرمان الثواب ، والشكر مثل في إعطائه.
فقوله : (فَلا كُفْرانَ) المراد نفي الجنس للمبالغة ، لأنّ نفي الماهية يستلزم نفي جميع أفرادها. ثم قال : (وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ) أي : لسعيه كاتبون إمّا في أم الكتاب ، أو في الصحف التي تعرض (٩) يوم القيامة ، والمراد من ذلك ترغيب العباد في الطاعات (١٠).
قوله تعالى (١١)(وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ) قرأ الأخوان (١٢) وأبو بكر ورويت عن أبي عمرو
__________________
(١) تعالى : سقط من الأصل.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢٢٠.
(٣) البيت من بحر الطويل ، لم أهتد إلى قائله وهو في مجاز القرآن ٢ / ٤٢ الطبري ١٧ / ٦٨ ، الجمهرة ٣ / ٤١٥ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٠٢ البحر المحيط ٦ / ٣٣٨.
(٤) أي : اسم (لا) النافية للجنس.
(٥) وذلك أن اسم (لا) النافية للجنس إذا كان مفردا بني على ما ينصب به ، أما إذا كان مضافا أو مشبها به والمراد به ما اتصل به شيء من تمام معناه ويسمى مطولا ، فينصب نحو : لا قبيحا فعله محمود ولا طالعا جبلا حاضر ، ولا خيرا من زيد عندنا. فلو تعلق قوله (لسعيه) ب (كفران) ، لأصبح اسم (لا) مشبها بالمضاف فينصب ، وهو هنا مبني على الفتح ، فيتعلق (لسعيه) بمحذوف. انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٨ ، شرح الأشموني ٢ / ٥ ـ ٩.
(٦) انظر التبيان ٢ / ٩٢٦ ، وجوز أبو البقاء أيضا عوده على «من».
(٧) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢٢٠.
(٨) [الإسراء : ١٩].
(٩) في الأصل : المصحف الذي يعرض. وفي ب : الصحف الذي تعرض.
(١٠) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢٢٠.
(١١) قوله تعالى : سقط من الأصل.
(١٢) حمزة والكسائي.