حتى لو نبذت إليه شيئا ، وصل إليه ، ونبذت الشيء : رميته ، ومنه النّبيذ ؛ لأنّه يطرح في الإناء.
ومنه المنبوذ ، وهو أصله ، فصرف إلى «فعيل» ، ومنه قيل للّقيط : منبوذ ؛ لأنّه رمي به.
ومنه النهي عن المنابذة في البيع ، وهو أن يقول : إذا نبذت إليك الثّوب ، أو الحصاة ، فقد وجب البيع فقوله : (انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا) : تباعدت واعتزلت عن أهلها مكانا في الدار ، ممّا يلي المشرق ، ثم إنّها مع ذلك اتّخذت من دون أهلها حجابا.
قال ابن عباس : سترا ، وقيل : جلست وراء جدار ، وقال مقاتل : وراء جبل.
فصل
اختلف المفسّرون في سبب احتجابها ، فقيل : إنها لمّا رأت الحيض ، تباعدت عن مكان عبادتها تنتظر الطّهر لتغتسل ، وتعود ، فلما طهرت ، جاءها جبريل ـ عليهالسلام ـ.
وقيل : طلبت الخلوة للعبادة.
وقيل : تباعدت لتغتسل من الحيض ، محتجبة بشيء يسترها.
وقيل : كانت في منزل زوج أختها زكريّا ، وفيه محراب تسكنه على حدة ، وكان زكريّا إذا خرج يغلق عليها ، فتمنّت أن تجد خلوة في الجبل ؛ لتفلّي رأسها ، فانفرج السّقف لها ، فخرجت في المشرقة وراء الجبل ، فأتاها الملك.
وقيل : عطشت ؛ فخرجت إلى المفازة لتستقي ، وكل هذه الوجوه محتملة.
واعلم أن المكان الشرقيّ هو الذي يلي شرقيّ بيت المقدس ، أو شرقيّ دارها.
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : إنّي لأعلم خلق الله ، لأيّ شيء اتّخذت النصارى المشرق قبلة ؛ لقوله : (مَكاناً شَرْقِيًّا) فاتّخذوا ميلاد عيسى قبلة ، وهو قول الحسن ـ رحمهالله تعالى ـ.
قوله تعالى : (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا).
الجمهور على ضمّ الراء من «روحنا» وهو ما يحيون به ، وقرأ (١) أبو حيوة ، وسهل بفتحها ، أي : ما فيه راحة للعباد ، كقوله تعالى : (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ) [الواقعة : ٨٩] وحكى النقاش : أنه قرىء (٢) «روحنّا» بتشديد النّون ، وقال : هو اسم ملك من الملائكة.
قوله : (بَشَراً سَوِيًّا) حال من فاعل «تمثّل» وسوّغ وقوع الحال جامدة وصفها ، فلمّا وصفت النكرة وقعت حالا.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٩ ، والبحر ٦ / ١٧٠ ، والدر المصون ٤ / ٤٩٦.
(٢) ينظر : البحر ٦ / ١٧٠ ، والدر المصون ٤ / ٤٩٦.