أحدهما : تسكين آخر الفعل الماضي.
والآخر : إقامة المصدر مع وجود المفعول الصريح (١).
وقد عرف جوابهما مما تقدم (٢).
الوجه الثالث : أن الأصل : «ننجي» كقراءة (٣) العامة إلا أن النون الثانية قلبت جيما وأدغمت(٤) في الجيم بعدها (٥). وهذا ضعيف جدا ، لأن النون لا تقارب الجيم فتدغم فيها (٦).
الوجه الرابع : أنه ماض مسند بضمير المصدر أي : نجّي النجاء (٧) كما تقدم في الوجه الثاني ، إلّا أنّ «المؤمنين» ليس منصوبا ب «نجّي» بل بفعل مقدر (٨). وكأن صاحب هذا الوجه فرّ من إقامة غير المفعول به مع وجوده فجعله من جملة أخرى. وهذه القراءة متواترة ، ولا التفات على من طعن على قارئها ، وإن كان أبو علي قال : هي لحن (٩). وهذه جرأة منه ، وقد سبقه إلى ذلك أبو إسحاق الزجاج (١٠).
وأما الزمخشري فإنما طعن على بعض الأوجه المتقدمة ، فقال : ومن تمحل لصحته فجعله فعّل ، وقال: نجّي النجاء المؤمنين ، وأرسل الياء وأسنده إلى مصدره ، ونصب المؤمنين فمتعسف بارد (١١) التعسف(١٢). فلم يرتض هذا التخريج بل للقراءة عنده تخريج آخر ، وقد يمكن أن يكون هو المبتدأ به لسلامته مما تقدم من الضعف (١٣).
قوله تعالى : (وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (٨٩) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ)(٩٠)
قوله تعالى : (وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً) الآية. اعلم أنه تعالى بين
__________________
(١) التبيان : ٢ / ٩٢٥.
(٢) من أن تسكين آخر الفعل الماضي للتخفيف ، وإقامة غير المفعول به مع وجوده مذهب الكوفيين والأخفش.
(٣) في ب : لقراءة. وهو تحريف.
(٤) في ب : قلبت ضما وإذا ضمت. وهو تحريف.
(٥) وهذا الوجه لأبي عبيد ، إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٧٨.
(٦) إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٧٨ ، الكشف ٢ / ١٣٣ ، التبيان ٢ / ٩٢٥ ، البحر المحيط ٣٣٥.
(٧) في الأصل : نجاء.
(٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٥.
(٩) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٥.
(١٠) قال الزجاج : (فأما ما روي عن عاصم بنون واحدة فلحن لا وجه له ، لأنّ ما لا يسمى فاعله لا يكون بغير فاعل. وقد قال بعضهم : نجّي النجاء المؤمنين ، وهذا خطأ بإجماع النحويين كلهم ، لا يجوز ضرب زيدا ، تريد ضرب الضرب زيدا ، لأنك إذا قلت : ضرب زيد فقد علم أنه الذي ضربه ضرب ، فلا فائدة في إضماره وإقامته مقام الفاعل) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٤٥٠٣.
(١١) في ب : بإرادة. وهو تحريف.
(١٢) الكشاف ٣ / ١٩.
(١٣) وهو قوله : (وننجي) فيكون موافقا للوجه الأول.