وأما تنكير «خلق» فلدلالته على التفصيل ، قال الزمخشري : فإن قلت : ما بال «خلق» منكرا. قلت : هو كقولك : أول رجل جاءني ، تريد أول الرجال ، ولكنك وحدته ونكرته إرادة تفصيلهم رجلا رجلا ، فكذلك معنى أول خلق بمعنى أول الخلائق ، لأنّ الخلق مصدر لا يجمع (١).
قوله : «وعدا» منصوب على المصدر المؤكد لمضمون الجملة المتقدمة ، فناصبه مضمر ، أي : وعدنا ذلك وعدا (٢).
فصل (٣)
اختلفوا في كيفية الإعادة فقيل : إن الله يفرق أجزاء الأجسام ولا يعدمها ثم إنه يعيد تركيبها فذلك هو الإعادة.
وقيل : إنه تعالى يعدمها بالكلية ، ثم إنه يوجدها بعينها مرة أخرى ، وهذه الآية دالة على هذا الوجه ؛ لأنه تعالى شبه الإعادة بالابتداء ، والابتداء ليس عبارة عن تركيب الأجزاء المتفرقة بل عن الوجود بعد العدم ، فوجب أن تكون الإعادة كذلك (٤).
واحتج الأولون بقوله تعالى : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ)(٥) فدلّ هذا على أنّ السموات حال كونها (٦) مطويات تكون موجودة. وبقوله تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ)(٧) وهذا يدلّ على أنّ الأرض باقية لكنها جعلت غير الأرض.
فصل
قال المفسرون : كما بدأناهم في بطون أمهاتهم عراة غرلا (٨) كذلك نعيدهم يوم القيامة (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)(٩). روى ابن عباس عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «إنكم تحشرون حفاة عراة غرلا» ثم قرأ (١٠)(كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ)(١١). يعني الإعادة والبعث. وقيل : المراد حقّا علينا بسبب الإخبار عن ذلك وتعلق العلم بوقوعه وأن وقوع ما علم الله وقوعه واجب (١٢).
__________________
(١) الكشاف ٣ / ٢٢.
(٢) انظر التبيان ٢ / ٩٢٩ ، البحر المحيط ٦ / ٣٤٤.
(٣) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢٢٩.
(٤) في ب : لذلك. وهو تحريف.
(٥) [الزمر : ٦٧].
(٦) في ب : لكونها. وهو تحريف.
(٧) من قوله تعالى : «يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ» [إبراهيم ٤٨].
(٨) أي قلفا ، والغرل جمع الأغرل. اللسان (غرل).
(٩) [الأنعام : ٩٤].
(١٠) في ب : قرىء. وهو تحريف.
(١١) أخرجه مسلم (جنة) ٤ / ١٢٩٤ ـ ٢١٩٥ ، الترمذي (قيامة) ٤ / ٦١٥ ـ ٦١٦ (تفسير) ٥ / ٣٢٢ ، النسائي (جنائز) ٤ / ١١٤ ـ ١١٧ ، الدارمي (رقاق) ٢ / ٣٢٦ أحمد ١ / ٢٢٣ ، ٢٢٩ ، ٢٣٥ ، ٢٥٣.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢٢٩.