والثاني : أن تكون الجملة مستأنفة (١).
والثالث : أن تكون في محل نصب على الحال من «جهنّم» (٢) وفيه نظر من حيث مجيء الحال من المضاف إليه في غير مواضع المستثناة (٣). ومعنى (أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) أي : فيها داخلون. وإنما جاءت اللام في «لها» لتقدمها تقول : أنت لزيد ضارب. كقوله تعالى : «و (الَّذِينَ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ)(٤) والمعنى : أنه لا بدّ وأن تردوها ، ولا معدل لكم من دخولها (٥).
فصل
روى ابن عباس (٦) أنه ـ عليهالسلام (٧) ـ دخل المسجد وصناديد (٨) قريش في الحطيم (٩). وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما ، فجلس إليهم ، فعرض له النضر بن الحرث فكلمه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حتى أفحمه ، ثم تلا عليهم (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) الآية. فأقبل عبد الله بن الزّبعرى فرآهم يتهامسون ، فقال : فيم (١٠) خوضكم؟ فأخبره الوليد بن المغيرة بقول رسول الله. فقال ابن الزبعرى : أنت قلت ذلك؟ قال نعم.
قال : خصمتك ورب الكعبة ، أليس اليهود عبدوا عزيرا ، والنصارى عبدوا المسيح ، وبنو مليح (١١) عبدوا الملائكة. فسكت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ولم يجب ، فضحك القوم ، ونزل قوله تعالى (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَقالُوا آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ)(١٢).
ونزل في عيسى والملائكة (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى)(١٣). وفي رواية
__________________
(١) انظر التبيان ٢ / ٩٢٨.
(٢) المرجع السابق.
(٣) ذكرنا سابقا ما قاله السيوطي في الهمع من أن بعض البصريين وصاحب البسيط جوزوا مجيء الحال من المضاف إليه مطلقا. وعلى ذلك فكون الجملة حالا من (جهنم) على مذهب من جوز مجيء الحال من المضاف إليه مطلقا.
(٤) [المؤمنون : ٨]. [المعارج : ٣٢] وهذه اللام تسمى لام التقوية ، وهي المزيدة لتقوية عامل ضعف إمّا بتأخير أو بكونه فرعا في العمل.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢٢٤.
(٦) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢٢٣ ـ ٢٢٤.
(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٨) الصناديد جمع صنديد ، وهم أشراف القوم وعظماؤهم. اللسان (صند).
(٩) الحطيم : قال ابن عباس : الحطيم الجدار بمعنى جدار الكعبة ، ابن سيدة : الحطيم حجر مكة مما يلي الميزاب ، سمي بذلك لانحطام الناس عليه. اللسان (حطم).
(١٠) في ب : ففيم.
(١١) في الأصل : بليح. وهو تحريف.
(١٢) [الزخرف : ٥٧ ، ٥٨].
(١٣) [الأنبياء : ١٠١].