قوله تعالى : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ)(٩٣)
قوله تعالى : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً)(١) الآية. قرأ العامة على رفع «أمّتكم» خبرا ل «إنّ»، ونصب «أمّة واحدة» على الحال (٢) ، وقيل : على البدل من «هذه» (٣) فيكون قد فصل بالخبر بين البدل والمبدل فيه نحو : إنّ زيدا قائم أخاك. وقرأ الحسن «أمّتكم» بالنصب (٤) على البدل من «هذه» (٥) ، أو عطف البيان (٦). وقرأ أيضا هو وابن أبي إسحاق والأشهب العقيلي (٧) وأبو حيوة وابن أبي عبلة وهارون عن أبي عمرو «أمّة واحدة» بالرفع على خبر «إنّ» (٨) و«أمّتكم أمّة واحدة» برفع الثلاث (٩) على أن يكون «أمّتّكم» خبر «إنّ» كما تقدم (١٠) و (أُمَّةً واحِدَةً) بدل منها بدل نكرة من معرفة ، أو يكون (أُمَّةً واحِدَةً) خبر مبتدأ محذوف (١١) ومعنى «أمّتكم» قال الزمخشري : الأمة الملة ، وأشار إلى ملة الإسلام (١٢). (أُمَّةً واحِدَةً) أي : دينا واحدا وهو الإسلام غير مختلف ، فأبطل ما سوى الإسلام من الأديان. وأصل الأمة الجماعة التي هي على مقصد واحد ، فجعلت الشريعة أمة لاجتماع أهلها على مقصد واحد. ثم قال : (وَأَنَا رَبُّكُمْ) أي : إلهكم (١٣) فاعبدون.
قوله : (وَتَقَطَّعُوا) أي : اختلفوا ، والأصل (١٤) : وتقطعتم إلا أن الكلام صرف إلى الغيبة على طريق (١٥) الالتفات (١٦) ، وكأنه ينفي عهم ما أفسدوه إلى آخرين ويقبح عندهم فعلهم ، ويقول لهم (١٧) : ألا ترون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء ، والمعنى : اختلفوا في الدين فصاروا فرقا وأحزابا (١٨).
__________________
(١) «أُمَّةً واحِدَةً» سقط من الأصل.
(٢) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٤٠٤ ، التبيان ٢ / ٢٩٦ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٧ ، والاتحاف (٣١٢).
(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٧.
(٤) المختصر (٩٣) ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٧.
(٥) انظر الكشاف ٣ / ٢٠ ، التبيان ٢ / ٩٢٦ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٧.
(٦) انظر التبيان ٢ / ٩٢٦.
(٧) لم أقف على ترجمته فيما بين يدي من مراجع.
(٨) قال ابن جني : (ولو قرىء أمتكم بالنصب بدلا وتوضيحا ل «هذه» ورفع «أمة واحدة» لأنّه خبر «إن» لكان وجها جميلا حسنا) المحتسب ٢ / ٦٥.
(٩) المختصر (٩٣) المحتسب ٢ / ٦٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٧.
(١٠) كما تقدم توجيهه في قراءة العامة.
(١١) انظر المحتسب ٢ / ٦٥ ، التبيان ٢ / ٩٢٦ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٧.
(١٢) الكشاف ٣ / ٢٠.
(١٣) أي إلهكم : سقط من ب.
(١٤) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٩.
(١٥) في الأصل : طريقة.
(١٦) من الخطاب في قوله : «إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً» إلى الغيبة في قوله : «وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ».
(١٧) في ب : وبقولهم.
(١٨) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢١٩٢٢.