فأما قراءة حمزة فعطف على قوله (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) وذلك أنه يفتح الهمزة هناك ففعل ذلك لما عطف غيرها عليها (١). وجوز أبو البقاء أن يكون الفتح على تقدير : ولأنّا اخترناك فاستمع ، فعلقه باستمع (٢). والأول أولى.
ومن كسرها فلأنه يقرأ «إنّي أنا ربّك» بالكسر (٣). وقراءة أبي كقراءة حمزة بالنسبة للعطف (٤). ومفعول «اخترتك» الثاني محذوف ، أي اخترتك من قومك (٥).
قوله : «لما يوحى» الظاهر تعلقه ب «استمع» ويجوز أن تكون اللام مزيدة في المفعول على حد قوله تعالى (رَدِفَ لَكُمْ)(٦) وجوز الزمخشري وغيره أن تكون المسألة من باب التنازع بين «اخترتك» وبين «استمع» كأنه قيل : «اخترتك لما يوحى فاستمع لما يوحى». قال الزمخشري : فعلق اللام باستمع أو باخترتك (٧) وقد رد أبو حيان هذا بأن قال : ولا يجوز التعليق باخترتك لأنه من باب الإعمال فكان يجب (٨) أو يختار إعادة الضمير مع الثاني ، فكان يكون : فاستمع له لما يوحى ، فدل على أنه من باب إعمال الثاني (٩).
قال شهاب الدين : والزمخشري عنى التعليق المعنوي من حيث الصلاحية وأما تقدير الصناعة فلم يعنه(١٠).
(و«ما») (١١) يجوز أن تكون مصدرية وبمعنى الذي ، أي فاستمع للوحي أو للذي يوحى(١٢))(١٣).
فصل (١٤)
هذه الآية تدل على أن النبوة لا تحصل بالاستحقاق ، لأن قوله : (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) يدل
__________________
(١) قال أبو البقاء : (ويجوز أن يكون معطوفا على «أنّي» أي بأنّي أنا ربك وبأنا اخترناك) التبيان ٢ / ٨٨٦.
(٢) قال أبو البقاء : (ويقرأ وأنا اخترناك على الجمع ، والتقدير : لأنّا اخترناك فاستمع فاللام تتعلق باستمع) التبيان ٢ / ٨٨٦.
(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٣١.
(٤) قال أبو حيان : (وقرأ أبي وأنّي بفتح الهمزة وياء المتكلم «اخترتك» بالتاء عطفا) البحر المحيط ٦ / ٢٣١.
(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٣١.
(٦) من قوله تعالى : «قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ» [النمل : ٧٢].
والاستشهاد بالآية على أن اللام من (لكم) زائدة والتقدير ردفكم. ويجوز ألا تكون اللام زائدة ، ويحمل الفعل على معنى دنا لكم ، أو قرب من أجلكم. انظر التبيان ٢ / ١٠١٣.
(٧) الكشاف ٢ / ٤٢٩.
(٨) في البحر المحيط : فيجب.
(٩) البحر المحيط ٦ / ٢٣١.
(١٠) انظر الدر المصون ٥ / ٢١.
(١١) في النسختين : «وأنا» ، والصوات ما أثبته ، ولعله سهو من الناسخ.
(١٢) انظر الكشاف ٢ / ٤٢٩.
(١٣) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٤) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩.