قوله : (كانَتْ ظالِمَةً) في محل جر صفة ل «قرية» ، ولا بد من مضاف محذوف قبل «قرية» أي : وكم قصمنا من أهل قرية بدليل عود الضمير في قوله : (فَلَمَّا أَحَسُّوا) ولا يجوز أن يعود على قوله «قوما» لأنه لم يذكر لهم ما يقتضي ذلك (١).
فصل
لما حكى عنهم تلك الاعتراضات الساقطة ، لكونها في مقابلة ما ثبت إعجازه ، وهو القرآن ظهر لكل عاقل أن اعتراضهم كان لأجل حب الرياسة والدنيا.
والمراد بقوله : «قصمنا» أهلكنا. قال ابن عباس : المراد منه القتل بالسيوف ، والمراد بالقرية : حضور وسحول باليمن ينسب إليهما (٢) الثياب ، وفي الحديث : «كفن (٣) رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في ثوبين سحوليين» ، وروي «حضوريين» بعث الله إليهما نبيا فقتلوه فسلط الله عليهم بختنصر كما سلطه على أهل بيت المقدس فاستأصلهم.
وروي «أنه لما أخذتهم السيوف ناداه مناد من السماء يا لثارات الأنبياء» فندموا واعترفوا بالخطأ ، و (قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ)(٤)(٥).
وقال الحسن : المراد عذاب الاستئصال. وهذا أقرب ، لأن إضافة ذلك إلى الله أقرب من إضافته (٦) إلى القائل ، ثم بتقدير أن يحمل ذلك على عذاب القتل فما الدليل على الحصر في القريتين اللتين ذكرهما ابن عباس (٧).
وقوله : (كانَتْ ظالِمَةً) أي كافرة ، يعني أهلها (وَأَنْشَأْنا بَعْدَها) أي : أحدثنا بعد هلاك أهلها (قَوْماً آخَرِينَ)(٨). (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا) أي : عذابنا بحاسة البصر (إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ) أي : يسرعون هاربين.
والركض ضرب الدابة بالرجل ، يقال : ركض (٩) الدابة يركضها ركضا (١٠) ، ومنه قوله تعالى : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ)(١١). فيجوز أن يركبوا دوابّهم فيركضوها هاربين منهزمين من قريتهم لما أدركتهم مقدمة العذاب. ويجوز أن يشبهوا في سرعة عدوهم على أرجلهم (١٢) بالراكبين الراكضين (١٣).
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٠٠.
(٢) إليهما : سقط من ب.
(٣) في ب : نسي. وهو تحريف.
(٤) انظر الكشاف ٣ / ٤ ـ ٥ ، الفخر الرازي ٢٢ / ١٤٦ ، الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف (١١٠).
(٥) [الأنبياء : ١٤].
(٦) في ب : إضافة.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٤٦.
(٨) انظر البغوي ٥ / ٤٧٧.
(٩) في الأصل : راكض. وهو تحريف.
(١٠) اللسان (ركض).
(١١) من قوله تعالى :«ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ» [ص : ٤٢].
(١٢) على أرجلهم : سقط من ب.
(١٣) وحذف المشبه. انظر الكشاف ٣ / ٥ ، والفخر الرازي ٢٢ / ١٤٦.