الضمير (١) عند الكوفيين (٢) ، والضمير محذوف عند البصريين أي : بالقول منه (٣).
فصل
لما نزه تعالى نفسه أخبر عنهم بأنهم عباد ، والعبودية تنافي الولادة إلا أنهم مكرمون مفضلون على (٤) سائر العباد لا يسبق قولهم قوله ، وإن (٥) كان قولهم تابع لقوله فعملهم أيضا مبني على أمره (٦) لا يعملون عملا ما لم يؤمروا به (٧) ثم إنه تعالى ذكر ما يجري مجرى السبب لهذه الطاعة فقال : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) والمعنى أنهم لما علموا كونه سبحانه عالما بجميع المعلومات علموا كونه عالما بظواهرهم وبواطنهم ، فكان ذلك داعيا لهم إلى نهاية الخضوع وكمال العبودية (٨). قال ابن عباس (٩) : يعلم ما قدموا وأخروا من أعمالهم. وقال مقاتل : يعلم ما كان قبل أن يخلقهم ، وما يكون بعد خلقهم.
وقيل : (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) الآخرة ، (وَما خَلْفَهُمْ) الدنيا. وقيل بالعكس (١٠) ثم قال : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) أي لمن هو عند الله مرضي. قاله مجاهد (١١) ، وقال ابن عباس : لمن قال لا إله إلا الله (١٢). (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ) أي : من خشيتهم منه ، فأضيف المصدر إلى مفعوله. «مشفقون» خائفون لا يأمنون من مكره ، ونظيره قوله تعالى (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ)(١٣). وروي (١٤) عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «أنه رأى جبريل
__________________
ـ تشارك غيرك في معنى فيظهر واحد منكما على الآخر ويستبد بالمعنى دونه ، فينسبه إلى نفسه بصيعة ثلاثي مفتوح العين نحو كارمني فكرمته أكرمه. فإذا أردت الدلالة على أن اثنين تفاخرا في أمر ، فغلب أحدهما الآخر فإنك تحول الفعل إلى باب نصر ينصر ، سواء كان هذا الفعل من هذا الباب أصلا كناصرته فنصرته فأنا أنصره ، أم كان من غيره نحو ضاربني فضربته فأن أضربه وكارمني فكرمته فأن أكرمه.
إلا أن يكون المثال الواوي ، كوعد ، والأجوف والناقص اليائين كباع ورمى ، فمضارعها بكسر العين.
انظر شرح الشافية ١ / ٧٠ ـ ٧١.
(١) في النسختين : عن الضمة. والصواب ما أثبته.
(٢) وكذا قال الزمخشري : (والمراد بقولهم فأنيب اللام مناب الإضافة) الكشاف ٣ / ٩ وانظر البحر المحيط ٦ / ٣٠٧.
(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٠٧.
(٤) في ب : عن.
(٥) في ب : وإذا.
(٦) في النسختين : عمله. والتصويب من الفخر الرازي.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٥٩.
(٨) المرجع السابق.
(٩) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٦٠.
(١٠) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٦٠.
(١١) انظر البغوي ٥ / ٤٨٢.
(١٢) المرجع السابق.
(١٣) من قوله تعالى : «يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً» [النبأ : ٣٨].
(١٤) في الأصل : روى.