والمتقدم على المحدث تقديما بلا فصل يكون محدثا ، فقول الله محدث.
قال ابن الخطيب (١) ـ رحمهالله ـ : واستدلال الفريقين ضعيف.
أمّا الأوّل ؛ فلأنّه يقتضي أن يكون قوله «كن» قديما ، وذلك باطل بالاتّفاق.
وأمّا استدلال المعتزلة ؛ فلأنّه يقتضي أن يكون قول الله تعالى الذي هو مركّب من الحروف ، والأصوات محدثا ؛ وذلك لا نزاع فيه ، [لأن](٢) المدّعى قدمه شيء آخر.
فصل في أقوال الناس في قوله «كن»
من النّاس من أجرى الآية على ظاهرها ، وزعم أنّه تعالى ، إذا أحدث شيئا ، قال له : كن ، وهذا ضعيف ؛ لأنّه إما أن يقول له : كن قبل حدوثه ، أو حال حدوثه ، فإن كان الأوّل ، كان خطابا مع المعدوم ، وهو عبث ، وإن كان حال حدوثه ، فقد وجد بالقدرة ، والإرادة ، لا بقوله «كن» ومن النّاس من زعم أنّ المراد من قوله : «كن» هو التخليق والتكوين ؛ لأنّ القدرة على الشّيء غير ، وتكوين الشيء غير فإنّ الله تعالى قادر في الأزل ، وغير مكوّن في الأزل ؛ ولأنّه الآن قادر على عالم سوى هذا العالم ، وغير مكوّن له ، فالقادريّة غير المكوّنيّة ، والتكوين ليس هو نفس المكوّن ؛ لأنّ المكوّن إنما حدث ؛ لأنّ الله تعالى كونه ، وأوجده ، فلو كان التّكوين نفس المكوّن ، لكان قولنا : «المكوّن إنّما وجد بتكوين الله» بمنزلة قولنا : «المكوّن إنّما وجد بنفسه» وذلك محال ؛ فثبت أنّ التكوين غير المكوّن ، فقوله «كن» إشارة إلى الصفة [المسمّاة] بالتكوين.
وقال آخرون : قوله سبحانه وتعالى : «كن» عبارة عن نفاذ قدرة الله تعالى ومشيئته في الممكنات ؛ فإنّ وقوعها بتلك القدرة والإرادة من غير امتناع واندفاع يجرى مجرى العبد المطيع المنقاد لأوامر الله تعالى ، فعبر الله تعالى عن ذلك المعنى بهذه العبارة على سبيل الاستعارة.
قوله : (وَإِنَّ اللهَ) : قرأ (٣) ابن عامر ، والكوفيّون «وإنّ» بكسر «الهمزة» على الاستئناف ، ويؤيّدها قراءة أبيّ «إنّ الله» بالكسر ، دون واو ، وقرأ الباقون بفتحها ، وفيها أوجه:
أحدها : أنها على حذف حرف الجرّ متعلّقا بما بعده ، والتقدير : ولأنّ الله ربّي وربّكم فاعبدوه ؛ كقوله تعالى : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) [الجن : ١٨] والمعنى: لوحدانيّته أطيعوه ، وإليه ذهب الزمخشريّ تابعا للخليل وسيبويه (٤) ـ رحمة الله عليهم ـ.
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ١٨٦.
(٢) في أ : إنما.
(٣) ينظر في قراءاتها : السبعة ٤١٠ ، والنشر ٢ / ٣١٨ ، والحجة ٤٤٤ ، والتيسير ١٤٩ ، والحجة للقراء السبعة ٥ / ٢٠٢ وإعراب القراءات ٢ / ١٩ والإتحاف ٢ / ٢٣٧ ، والقرطبي ١١ / ٧٢ ، والبحر ٦ / ١٧٩.
(٤) ينظر : الكتاب ١ / ٤٦٤ ـ ٤٦٥.