قال : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي)(١) فالواجب تصديق خبر الله ـ تعالى ـ دون الرجوع إلى وهب بن منبه. وهذا اعتراض (٢) ضعيف ، لأن المذكور في الحكاية أنّ الشيطان نفخ (٣) في منخره فوقعت الحكة (٤) فيه. فلم قلتم : إنّ القادر على النفخة التي تولد منها هذه الحكة (٤) لا بدّ وأن يكون قادرا على خلق الأجسام ، وهل هذا إلا محض التحكم. وأما التمسك (٥) بالنصّ فضعيف ، لأنه إنّما يقدم على هذا الفعل مع علمه أنه لو أقدم عليه لما منعه الله تعالى. وهذه الحالة لم تحصل إلا في حق أيوب ـ عليهالسلام (٦) ـ من أنه استأذن الله فأذن له ، وإن (٧) كان كذلك لم يكن بين ذلك النص وبين هذه الحكاية مناقضة.
وثانيها : قالوا : ما روي أنه ـ عليهالسلام (٨) ـ لم يسأل إلا عند أمور مخصوصة. فبعيد ، لأنّ الثابت في العقل أنه يحسن من (٩) المرء أن يسأل ذلك ربه ويفزع إليه كما يحسن منه المداواة ، وإذا جاز أن يسأل ربه عند الغم بما يراه من أهله جاز أيضا أن يسأل ربه من قبل نفسه. فإن قيل : أفلا يجوزون أنه تعالى تعبده بأن لا يسأل الكشف إلا في آخر أمره. قلنا : يجوز ذلك بأن يعلمه أن إنزال ذلك به مدة مخصوصة من مصالحه ومصالح غيره لا محالة ، فعلم عليهالسلام (١٠) أنه لا وجه للمسألة في هذا الأمر الخاص ، فإذا قرب الوقت جاز أن يسأل ذلك من حيث يجوز أن يدوم ويجوز أن ينقطع.
وثالثها : قالوا : انتهاء ذلك المرض إلى حد التنفير غير جائز على الأنبياء.
فصل
اعلم أنه (١١) ـ عليهالسلام (١٢) ـ ألطف في السؤال حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة وذكر ربه بغاية الرحمة ولم يصرح بالمطلوب. فإن قيل : أليس أن الشكوى تقدح في كونه صابرا.
فالجواب : قال سفيان بن عيينة : ولو شكى إلى الله فإنه لا يعد ذلك جزعا إذا كان في شكواه راضيا بقضاء الله إذ ليس من شرطه استحلاء البلاء ، ألم تسمع قول يعقوب : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ)(١٣).
__________________
(١) [إبراهيم : ٢٢].
(٢) في ب : اعراض. وهو تحريف.
(٣) في الأصل : ينفخ.
(٤) في ب : الحكمة.
(٤) في ب : الحكمة.
(٥) في ب : المتمسك.
(٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٧) في ب : وإذا.
(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٩) في الأصل : في.
(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١١) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢٠٩ ـ ٢١٠.
(١٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٣) من قوله تعالى : «قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ» [يوسف : ٨٦].