فصل
قال الكلبي (١) : لمّا أنزل على النبي صلىاللهعليهوسلم الوحي بمكة (٢) اجتهد في العبادة حتى كان (٣) يراوح بين قدميه في الصلاة لطول قيامه ، وكان يصلي الليل كله ، فأنزل الله هذه الآية ، وأمره أن يخفف على نفسه فقال : (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) [طه : ٢].
وقيل : لما رأى المشركون اجتهاده في العبادة قالوا : إنّك لتشقى حين تركت دين آبائك أي : لتتعنّى وتتعب وما أنزل عليك القرآن يا محمد لشقائك ، فنزلت : (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى). وأصل الشقاء في اللغة العناء (٤).
وقيل المعنى (٥) : إنّك لا تلام على كفر قومك كقوله : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ) بمسيطر» (٦) وقوله (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) [الأنعام : ١٠٦] ، أي : إنك لا تؤاخذ بذنبهم.
وقيل : إنّ هذه السورة من أوائل ما نزل بمكة ، وكان عليهالسلام في ذلك الوقت مقهورا (٧) تحت ذل الأعداء ، فكأنه تعالى قال : لا تظن أنّك تبقى أبدا على هذه الحالة ، بل يعلو أمرك ويظهر قدرك فإنا ما أنزلنا عليك مثل هذا القرآن لتبقى شقيّا فيما بينهم بل لتصير معظما مكرما (٨).
قوله : (إِلَّا تَذْكِرَةً) في نصبه أوجه :
أحدها : أن يكون مفعولا من أجله ، والعامل فيه فعل الإنزال ، وكذلك «لتشقى» علة له أيضا ، ووجب مجيء الأول مع اللام ، لأنه ليس لفاعل الفعل المعلل ففاته شريطة الانتصاب على المفعولية (٩).
والثاني : جاز قطع اللام عنه ونصبه ، لاستجماعه الشرائط (١٠) هذا كلام
__________________
ـ كلام ، وإن جعلتها اسما للسورة احتملت أن تكون خبرا عنها ، وهي في موضع المبتدأ و«القرآن» ظاهر أوقع موقع الضمير ، لأنها قرآن ، وأن يكون جوابا لها وهي قسم) الكشاف ٢ / ٤٢٦.
(١) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٤٠٩ ـ ٤١٠.
(٢) بمكة : سقط في الأصل.
(٣) كان : سقط في ب.
(٤) آخر ما نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٥ / ٤٠٩ ـ ٤١٠.
(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٤.
(٦) الآية : (٢٢) من سورة الغاشية.
(٧) في الأصل : كان مقهورا.
(٨) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٤.
(٩) لأن من شروط المفعول من أجله : اتحاده بالمعلل به فاعلا وذلك بأن يكون فاعل الفعل وفاعل المصدر واحدا. وهنا فاعل «أنزلنا» هو الله تعالى ، وفاعل لتشقى هو الرسول ، فقد شرط انتصابه على المفعول لأجله وهو اتحاده بالمعلل به فاعلا ، فوجب جره باللام. انظر شرح التصريح ١ / ٣٣٥.
(١٠) شروط المفعول من أجله خمسة أمور : الأول : كونه مصدرا. الثاني : كونه قلبيا. الثالث : كونه علة.
الرابع : اتحاده بالمعلل به وقتا. الخامس : اتحاده بالمعلل به فاعلا. فهذه الشروط متحققة في «تذكرة» فنصب على المفعول من أجله. انظر شرح التصريح ١ / ٣٣٤ ـ ٣٣٥.