فصل
[في] الكلام اختصار ، تقديره : استجاب الله دعاءه ، فقال : (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ) : بولد ، ويقال : زكريّاء «بالمد والقصر» ، ويقال : زكرى أيضا ، نقله ابن كثير.
فإن قيل : كان دعاؤه بإذن ، فما معنى البشارة؟ وإن كان بغير إذن ؛ فلماذا أقدم عليه؟.
فالجواب (١) : يجوز أن يسأل بغير إذن ، ويحتمل أنّه أذن له فيه ، ولم يعلم وقته ، فبشّر به.
قوله : «يحيى» : فيه قولان :
أحدهما : أنه اسم أعجميّ ، لا اشتقاق له ، وهذا هو الظاهر ، ومنعه من الصّرف ؛ للعلميّة والعجمة ، وقيل : بل هو منقول من الفعل المضارع ، كما سمّوا ب «يعمر» و«يعيش» و«يموت» وهو يموت بن المزرّع.
والجملة من قوله : (اسْمُهُ يَحْيى) في محلّ جرّ صفة ل «غلام» وكذلك (لَمْ نَجْعَلْ) و«سميّا» كقوله : «رضيّا» إعرابا وتصريفا ؛ لأنّه من السّموّ ، وفيه دلالة لقول البصريين : أن الاسم من السموّ ، ولو كان من الوسم ، لقيل : وسيما.
فصل
قال ابن عباس ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، وقتادة : إنّه لم يسمّ أحد قبله بهذا الاسم(٢).
وقال سعيد بن جبير ، وعطاء : لم نجعل له شبها ومثلا ؛ لقوله تعالى : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [مريم: ٦٥] أي : مثلا (٣).
والمعنى : أنه لم يكن له مثل ؛ لأنّه لم يعص ، ولم يهمّ بمعصية قط ؛ كأنّه جواب لقوله (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) فقيل له : إنّا نبشّرك بغلام ، لم نجعل له شبيها في الدّين ، ومن كان كذلك ، كان في غاية الرضا.
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ١٥٨.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٣١٠) عن قتادة وابن جريج وابن زيد والسدي.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤٦٨) عن قتادة وعزاه إلى عبد الرزاق وأحمد في «الزهد» وعبد بن حميد.
وأخرجه الحاكم (٢ / ٣٧٢) عن ابن عباس.
وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤٦٨) وزاد نسبته إلى الفريابي وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) أخرجه الطبري (٨ / ٣١٠) عن مجاهد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤٦٨) وعزاه إلى أحمد في «الزهد» وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.