والثاني : أنّ من عادة الجبابرة إذا غلّظ (١) لهم (٢) في الوعظ (٣) أن يزدادوا عتوا وتكبّرا.
والمقصود من البعثة حصول النفع لا حصول زيادة الضرر ، فلهذا أمر الله تعالى بالرفق (٤).
قوله : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) أي يتعظ ويخاف.
فصل
اختلفوا في ذلك القول اللين (٥) ، فقال ابن عباس : لا تعنّفا في قولكما (٦).
وقال السّدّي وعكرمة : كنّياه ، فقولا : يا أبا العباس. وقيل : يا أبا الوليد (٧).
وقال مقاتل : القول الليّن : (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى. وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى) (٨)(٩) ، وقولهما(١٠) : (إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ)(١١) إلى قوله : (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى)(١٢).
وقال السدي (١٣) : القول الليّن أن موسى أتاه ووعده على قبول الإيمان شبابا لا يهرم ، وملكا لا ينزع منه إلا بالموت ، وتبقى عليه لذة المطعم (١٤) والمشرب ، والمنكح إلى حين موته ، وإذا مات دخل الجنة. فأعجبه (١٥) ذلك ، وكان لا يقطع أمرا دون هامان ، وكان غائبا ، فلما قدم أخبره بالذي (١٦) دعاه إليه موسى ، قال : اردت أن أقبل منه. فقال له هامان : كنت أرى لك عقلا ورأيا ، أنت ربّ تريد أن تكون مربوبا ، وأنت تعبد تريد (١٧) أن تعبد ، فقلبه عن رأيه (١٨).
فصل
قال ابن الخطيب : هذا التكليف لا يعلم سره إلا الله تعالى ، لأنه تعالى لما (١٩) علم أنه لا يؤمن قط كان (٢٠) إيمانه ضدا لذلك العلم الذي يمتنع زواله ، فيكون سبحانه عالما بامتناع ذلك الإيمان ، وإذا كان عالما بذلك ، فكيف أمر موسى بذلك الرفق ، وكيف بالغ
__________________
(١) في الأصل : أغلظ.
(٢) في ب : عليهم.
(٣) في ب : في اللفظ والوعظ.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٥٨.
(٥) قوله : سقط من ب.
(٦) في ب : واللين. وهو تحريف.
(٧) انظر البغوي ٥ / ٤٣٢.
(٨) المرجع السابق.
(٩) [النازعات : ١٨ ـ ١٩].
(١٠) البغوي ٥ / ٤٣٢.
(١١) في ب : وقوله.
(١٢) [طه : ٤٧].
(١٣) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٤٣٢ ـ ٤٣٣.
(١٤) في ب : الطعم.
(١٥) في ب : وأعجبه.
(١٦) في ب : بالأمر الذي.
(١٧) في ب : وتريد.
(١٨) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٤٣٢ ـ ٤٣٣.
(١٩) لما : سقط من ب.
(٢٠) في ب : وكان.