و«الغيب (١)» مفعول به ، لا على إسقاط حرف الجر ، أي : على الغيب ، كما زعم بعضهم.
فصل
لمّا استدل على صحة البعث ، وأورد شبهة المنكرين ، وأجاب عنها ذكر عنهم ما قالوه استهزاء طعنا بالقول (٢) في الحشر فقال : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا). قال الحسن : نزلت في الوليد بن المغيرة والمشهور أنها نزلت في العاص بن وائل ، قال خباب بن الأرت : كان لي عليه دين ، فأتيت أتقاضاه ، فقال: لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد. فقلت : لا والله لا أكفر بمحمد حيّا ولا ميتا. وفي رواية : حتى تموت ثم تبعث. فقال (٣) : وإنّي لميت ثم مبعوث؟ قلت : نعم. قال : إنكم تزعمون أنكم تبعثون ، وأن في الجنة ذهبا وفضة وحريرا ، فأنا أقضيك ثمّ ، فإنه سيكون لي مال وولد (٤).
ثم قال تعالى (٥) : (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ). «قال ابن عباس : أنظر في اللوح المحفوظ (٦)»(٧).
وقال مجاهد : أعلم (٨) علم الغيب حتى يعلم أفي الجنة هو أم لا؟ (٩).
والمعنى : أنّ الذي ادعى حصوله لا يتوصل إليه إلّا بأحد هذين الطريقين (١٠) : إمّا علم الغيب ، وإمّا عهد من عالم الغيب ، فبأيهما (١١) توصل إليه (١٢).
قيل : العهد كلمة الشهادة (١٣). وقال قتادة : عملا صالحا قدّمه ، فهو يرجو بذلك ما يقول (١٤). وقال الكلبي : عهد إليه أن يدخله الجنة (١٥).
«كلّا» ردّ (١٦) عليه ، أي : إنّه لم يفعل ذلك.
قوله : «كلّا» للنحويين في هذه اللفظة ستة مذاهب :
أحدها (١٧) : وهو مذهب جمهور البصريين كالخليل وسيبويه وأبي الحسن الأخفش (١٨) وأبي العباس أنها حرف ردع وزجر (١٩).
__________________
(١) والغيب : سقط من ب. وفيه : فهو.
(٢) في ب : في القول.
(٣) في ب : قال.
(٤) انظر الكشاف ٢ / ٤٢٢ ، الفخر الرازي ٢١ / ٢٥٠.
(٥) تعالى : سقط من ب.
(٦) انظر البغوي ٥ / ٣٩٨.
(٧) ما بين القوسين في ب : انظر في اللوح المحفوظ قاله ابن عباس.
(٨) في ب : علم.
(٩) انظر البغوي ٥ / ٣٩٨.
(١٠) في ب : القولين.
(١١) في ب : فأيهما.
(١٢) الكشاف ٢ / ٤٢٢ ، الفخر الرازي ٢١ / ٢٥٠.
(١٣) انظر البغوي ٥ / ٣٩٨.
(١٤) المرجع السابق.
(١٥) المرجع السابق.
(١٦) في النسختين : ردّا.
(١٧) في ب : الأول.
(١٨) في ب : وأبي الحسن والأخفش. وهو تحريف.
(١٩) قال سيبويه : (وأمّا كلا فردع وزجر) الكتاب ٤ / ٢٣٥.