قوله تعالى : (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) جملتان حاليتان ، وفيهما قولان :
أحدهما : أنهما حالان من الضمير المستتر في قوله (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي : استقرّوا في ضلال مبين على هاتين الحالتين السيئتين.
والثاني : أنهما حالان من مفعول «أنذرهم» [أي : أنذرهم على هذه الحال ، وما بعدها ، وعلى الأول يكون قوله «وأنذرهم»] اعتراضا.
والمعنى : وهم في غفلة عمّا يفعل بهم في الآخرة (وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ولا يصدقون بذلك اليوم.
قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها) أي : نميت سكّان الأرض ، ونهلكهم جميعا ، ويبقى الرّبّ وحده ، فيرثهم (وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) ، فنجزيهم بأعمالهم.
[وقرأ العامّة «يرجعون» بالياء من تحت مبنيّا للمفعول ، والسّلمي (١) ، وابن أبي إسحاق ، وعيسى مبنيّا للفاعل ، والأعرج بالتاء من فوق مبنيّا للمفعول على الخطاب ، ويجوز أن يكون التفاتا ، وألا يكون].
قوله تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٤١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (٤٢) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (٤٣) يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (٤٤) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (٤٥) قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦) قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (٤٧) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا)(٥٠)
قوله تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ) اعلم أنّ منكري التوحيد الذين أثبتوا معبودا سوى الله تعالى فريقان :
منهم : من أثبت معبودا غير الله تعالى حيّا ، عاقلا ، فاهما ، وهم النصارى.
ومنهم : من أثبت معبودا غير الله ، جمادا ليس بحيّ ولا عاقل ، وهم عبدة الأوثان.
والفريقان ، وإن اشتركا في الضّلال ، إلّا أنّ ضلال عبدة الأوثان أعظم ، فلمّا بيّن الله تعالى ضلال الفريق الأوّل ، تكلّم في ضلال الفريق الثاني ، وهم عبدة الأوثان ؛ فقال : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ) والواو في قوله : (وَاذْكُرْ) عطف على قوله (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) كأنّه لمّا انتهت قصّة زكريّا ويحيى ، وعيسى ـ صلوات الله عليهم ـ قال : قد
__________________
(١) ينظر في قراءاتها : الإتحاف ٢ / ٢٣٧ ، البحر ٦ / ١٨٠ ، ١٨١ والدر المصون ٤ / ٥٠٨.