منفرد عن الورثة ، وهذا وإن أمكن حمله على وارث يصلح أن يقوم مقامه ، لكنّ حمله على الولد أظهر.
واحتجّ أصحاب القول [الثالث](١) بأنّه لما بشّر بالولد ، استعظمه على سبيل التعجّب ؛ وقال (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) ولو كان دعاؤه لطلب الولد ، ما استعظم ذلك.
وأجيب بأنّه ـ عليهالسلام ـ سأل عمّا يوهب له ، أيوهب له وهو وامرأته على هيئتهما؟ أو يوهب له بأن يحوّلا شابّين ، يولد لمثلهما؟! وهذا يحكى عن الحسن.
وقيل : إنّ قول زكريّا ـ عليهالسلام ـ في الدّعاء (وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً) إنما سأل ولدا من غيرها أو منها ؛ بأن يصلحها الله تعالى للولد ، فكأنّه ـ عليهالسلام ـ قال : أيست أن يكون لي منها ولد ، فهب لي من لدنك وليّا ، كيف شئت : إمّا بأن تصلحها للولادة ، وإمّا أن تهبه لي من غيرها ، فلمّا بشّر بالغلام ، سأل أن يرزق منها ، أو من غيرها ، فأخبر بأنه يرزقه منها.
فصل في المراد بالميراث في الآية
واختلفوا ما المراد بالميراث ، فقال ابن عبّاس ، والحسن ، والضحاك : وراثة المال في الموضعين (٢).
وقال أبو صالح : وراثة النبوّة (٣).
وقال السديّ ، ومجاهد ، والشعبيّ : يرثني المال ، ويرث من آل يعقوب النبوّة (٤).
وهو مرويّ أيضا عن ابن عباس ، والحسن ، والضحاك.
وقال مجاهد : يرثني العلم ، ويرث من آل يعقوب النبوّة (٥). واعلم أنّ لفظ الإرث يستعمل في جميعها : أمّا في المال فلقوله تعالى : (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ) [الأحزاب : ٢٧] وأمّا في العلم ، فلقوله تعالى : (وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) [غافر : ٥٣].
وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «العلماء ورثة الأنبياء ، وإنّ الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهما ، وإنّما ورّثوا العلم» (٦).
وقال تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) [النمل : ١٦] وهذا يحتمل وراثة الملك ، ووراثة النبوّة ، وقد يقال : أورثني هذا غمّا وحزنا.
__________________
(١) في ب : الثاني.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٣٠٨).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ٣٠٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤٦٧ وعزاه إلى ابن أبي حاتم.
(٤) أخرجه الطبري (٨ / ٣٠٨) عن الحسن وأبي صالح.
(٥) أخرجه الطبري (٨ / ٣٠٨) عن مجاهد وينظر : تفسير الماوردي (٣ / ٣٥٦).
(٦) تقدم تخريجه.