الْعالَمِينَ)(١) ، وهو سؤال عن الماهية ، فهما سؤالان مختلفان ، والواقعة واحدة ، والأقرب أن يقال(٢) : سؤال «من» كان مقدما على سؤال «ما» (٣) ، لأنه كان يقول : أنا الله والرّبّ (٤) ، فقال : (فَمَنْ رَبُّكُما) ، فلما أقام موسى الدلالة على الوجود ، وعرف أنه لا يمكنه أن يقاومه (٥) في هذا المقام ، لظهوره وجلائه ، عدل إلى طلب الماهية ، وهذا ينبه (٦) على أنه كان عالما بالله ، لأنه ترك المنازعة في هذا المقام لعلمه بغاية ظهوره ؛ وشرع في المقام الصعب ، لأن العلم بماهية الله تعالى (٧) غير حاصل للبشر.
قوله (٨) : (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما) ولم يقل : «فمن إلهكما» لأنه أثبت نفسه ربّا في قوله : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً)(٩) ، فذكر ذلك على سبيل التعجب كأنه قال : أنا ربّك فلم تدعي ربّا آخر ، وهذا يشبه (١٠) كلام نمروذ حين قال له إبراهيم (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ)(١١) قال نمروذ : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)(١٤) ولم يكن الإحياء والإماتة التي ذكرها إبراهيم هي (١٢) التي عارضه نمروذ بها إلا في اللفظ ، فكذا هاهنا لما ادعى (١٣) موسى ـ عليهالسلام (١٤) ـ ربوبية الله تعالى ذكر فرعون هذا الكلام ، أي : أنا الرّبّ الذي ربيتك ، ومعلوم أن الربوبية التي ادعاها موسى (١٥) لله تعالى غير هذه الربوبية في المعنى وأنه لا مشاركة بينهما (١٦) إلا في اللفظ(١٧).
فصل
استدل موسى (١٨) عليهالسلام (١٩) ـ على (٢٠) إثبات الصانع بأحوال المخلوقات ، وهو قوله : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) ، وهذه الدلالة هي التي ذكرها الله تعالى لمحمد ـ عليهالسلام (٢١) ـ في قوله : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى)(٢٢) وقال إبراهيم ـ عليهالسلام (٢٣) ـ : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَ
__________________
(١) من قوله تعالى : «قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ» [الشعراء : ٢٣].
(٢) في ب : والأقرب واحد. وهو تحريف.
(٣) ما : سقط من ب.
(٤) في ب : إني أنا الله والرّب. وهو تحريف.
(٥) في ب : أن يقال وأن يقاومه. وهو تحريف.
(٦) في ب : وذلك يدل.
(٧) تعالى : سقط من ب.
(٨) في ب : فإن قيل.
(٩) [الشعراء : ١٨].
(١٠) في ب : شبه. وهو تحريف.
(١١) [البقرة : ٢٥٨].
(١٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٢) في ب : على. وهو تحريف.
(١٣) في ب : فصل لما ادعى.
(١٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٥) في ب : موسى عليه الصلاة والسلام.
(١٦) في ب : فيها. وهو تحريف.
(١٧) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٦٤.
(١٨) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٦٤ ـ ٦٦.
(١٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٢٠) في الأصل : في. وهو تحريف.
(٢١) في ب : صلىاللهعليهوسلم.
(٢٢) [الأعلى : ١ ، ٢ ، ٣].
(٢٣) في ب : وقال عليهالسلام.