والثاني : أنها حال من فاعل «يتخذونك» ، وإليه نحا الزمخشري فإنه قال : والجملة في موضع الحال ، أي يتخذونك هزوا وهم على حال هي أصل الهزء والسخرية وهي الكفر بالله (١).
فصل (٢)
والمعنى : أنهم يعيبون عليه كونه يذكر آلهتهم التي لا تضر ولا تنفع بالسوء مع أنهم بذكر الرحمن المنعم عليهم الخالق المحيي المميت كافرون ، ولا فعل أقبح من ذلك فيكون الهزؤ واللعن والذم عليهم من حيث لا يشعرون (٣). ويحتمل أن يراد (بِذِكْرِ الرَّحْمنِ) القرآن. ومعنى إعادة «وهم» أن الأولى إشارة إلى القوم الذين كانوا يفعلون ذلك الفعل ، والثانية إبانة لاختصاصهم به ، وأيضا فإن في إعادتها تأكيدا وتعظيما لفعلهم.
قوله تعالى : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (٣٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٨) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٣٩) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّها وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٤٠) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٤١)
قوله تعالى : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) الآية. في المراد بالإنسان قولان :
أحدهما : أنه النوع ، وذلك أنهم كانوا يستعجلون العذاب (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ)(٤). (والمعنى أن بنيته من العجلة وعليها طبع كما قال : (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً)(٥)) (٦). فإن قيل : مقدمة الكلام لا بد وأن تكون مناسبة للكلام وكون الإنسان مخلوقا من العجل يناسب كونه معذورا فيه فلم رتب على هذه المقدمة قوله : (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ)؟
فالجواب أنه تعالى نبه بهذا على أن ترك الاستعجال حالة مرغوب فيها (٧).
القول الثاني : أن المراد بالإنسان شخص معين ، فقال ابن عباس في رواية عطاء : نزلت هذه الآية في النضر بن الحرث (٨).
__________________
(١) الكشاف ٣ / ١١.
(٢) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٠.
(٣) في ب زيادة بعد لا يشعرون : يقال : فلان يذكر فلانا ، أي يعينه ، وفلان يذكر الله أي يعظمه.
(٤) [الأنبياء : ٣٨].
(٥) من قوله تعالى : «وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً» [الإسراء : ١١] انظر البغوي ٥ / ٤٨٦.
(٦) ما بين القوسين سقط من الأصل.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٧١.
(٨) الفخر الرازي ٢٢ / ١٧١.