قوله : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) : هذا لفظ أمر ، ومعناه : التعجّب ، وأصحّ الأعاريب فيه ، كما تقرّر في علم النّحو : أنّ فاعله هو المجرور بالباء ، والباء زائدة ، وزيادتها لازمة ؛ إصلاحا للفظ ؛ لأنّ «أفعل» أمرا لا يكون فاعله إلّا ضميرا مستترا ، ولا يجوز حذف الباء إلّا مع أن وأنّ ؛ كقوله : [الطويل]
٣٦٠٦ ـ تردّد فيها ضوؤها وشعاعها |
|
فأخصن وأزين لامرىء أن تسربلا (١) |
أي : بأن تسربل ، فالمجرور مرفوع المحلّ ، ولا ضمير في «أفعل» ولنا قول ثان : أن الفاعل مضمر ، والمراد به المتكلّم ؛ كأنّ المتكلم يأمر نفسه بذلك ، والمجرور بعده في محلّ نصب ، ويعزى هذا للزّجّاج.
ولنا قول ثالث : أن الفاعل ضمير المصدر ، والمجرور منصوب المحلّ أيضا ، والتقدير : أحسن ، يا حسن ، بزيد ، ولشبه هذا الفاعل عند الجمهور بالفضلة لفظا ، جاز حذفه للدّلالة عليه كهذه الآية ، فإنّ تقديره : وأبصر بهم ، وفيه أبحاث موضوعها كتب النّحو.
فصل في التعجب
قالوا : التعجّب استعظام الشي ، مع الجهل ؛ بسبب عظمه ، ثم يجوز استعمال لفظ التعجّب عند مجرّد الاستعظام من غير خفاء السّبب ، أو من غير أن تكون العظمة سبب حصوله.
قال الفرّاء : قال سفيان : قرأت عن شريح : (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) [الصافات : ١٢] فقال: إنّ الله لا يعجب من شيء ، إنما يعجب من لا يعلم ، قال : فذكرت ذلك لإبراهيم النخعيّ ـ رضي الله عنه ـ فقال : إنّ شريحا شاعر يعجبه علمه ، وعبد الله أعلم بذلك منه قرأها (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ).
ومعناه : أنّه صدر من الله تعالى فعل ، لو صدر مثله عن الخلق ، لدلّ على حصول التعجّب في قلوبهم ، وبهذا التأويل يضاف المكر والاستهزاء إلى الله تعالى ، وإذا عرفت هذا ، فللتعجّب صيغتان :
إحداهما : ما أفعله ، والثانية أفعل به.
كقوله تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) والنحويّون ذكروا له تأويلان :
الأول : قالوا : أكرم بزيد ، أصل «أكرم زيد» أي : صار ذا كرم ، ك «أغدّ البعير» أي : صار ذا غدّة ، إلّا أنه خرج على لفظ الأمر ، ومعناه الخبر ، كما أخرج على لفظ الأمر ما معناه الخبر ، كما أخرج على لفظ الخبر ما معناه الأمر ؛ كقوله سبحانه وتعالى :
__________________
(١) البيت لأوس بن حجر ، ينظر : ديوانه ٨٤ ، المقرب ١ / ٧٧ ، الهمع ٢ / ٩٠ ، الدرر ٢ / ١٢٠ ، التهذيب واللسان «عزل» ، الدر المصون ٤ / ٥٠٧.