الممكنات دون البعض ، فوجب أن يكون عالما بكل ما صح أن يكون معلوما ، وقادرا على كل ما صح أن يكون مقدورا ، فظهر (١) بهذه الدلالة التي تمسك بها موسى (٢) وقررها (٣) احتياج العالم إلى مدبر ليس بجسم ولا جسماني ، وهو واجب الوجود في ذاته وصفاته عالم بكل المعلومات ، قادر على كل المقدورات ، وذلك هو الله سبحانه وتعالى (٤).
قوله تعالى : (قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى (٥١) قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى (٥٢) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى (٥٤) مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى)(٥٥)
قوله : (قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) البال : الفكر ، يقال : خطر بباله كذا ، ولا يثنى ولا يجمع ، وشذ جمعه على بالات ، ويقال للحال المكترث بها ، وكذلك يقال : ما باليت بالة ، والأصل بالية كعافية فحذف لامه تخفيفا (٥).
فصل
قال المفسرون : البال : الحال ، أي ما حال القرون الماضية والأمم الخالية كقوم نوح وعاد وثمود(٦).
وفي ارتباط هذا الكلام بما قبله وجوه (٧) :
الأول : أنّ موسى ـ عليهالسلام (٨) ـ لمّا قرر عليه أمر المبدأ قال فرعون : إن كان إثبات المبدأ ظاهرا (٩) إلى هذا الحد «فما بال القرون الأولى» (١٠)؟ ما أثبتوه بل تركوه ، فكأن موسى ـ عليهالسلام (٨) ـ لما استدل على إثبات الصانع (١١) بالدلالة القاطعة قدح فرعون في تلك الدلالة بقوله : إن كان الأمر على ما ذكرت من قوة (١٢) الدلالة وجب على أهل القرون الماضية أن لا يغفلوا عنها (١٣). فعارض الحجة بالتقليد.
__________________
(١) في ب : وظهر.
(٢) في ب : موسى عليه الصلاة والسلام.
(٣) في ب : وقرر. وهو تحريف.
(٤) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٦٤ ـ ٦٦ بتصرف يسير.
(٥) اللسان (بول).
(٦) انظر البغوي ٥ / ٤٣٦.
(٧) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٦٦ ـ ٦٧ بتصرف يسير.
(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٩) في ب : ظاهر. وهو تحريف.
(١٠) الأولى : سقط من ب.
(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١١) في ب : لما استدل بوجود الصانع أعني على إثبات الصانع والزيادة تبدو من كلام الناسخ.
(١٢) في ب : بقوة. وهو تحريف.
(١٣) في الأصل : عنه وهو تحريف.