وقيل : لا يضلّ ولا يشقى في الدّنيا. فإن قيل : المتبع لهدى الله قد يشقى في الدنيا.
فالجواب : أن المراد لا يضل في الدين ، ولا يشقى بسبب الدين ، فإن حصل بسبب آخر فلا بأس. ولما وعد تعالى من يتبع الهدى أتبعه بالوعيد لمن أعرض فقال : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) والذكر يقع على القرآن وعلى سائر كتب الله تعالى على ما تقدم (١).
قوله : «ضنكا» صفة لمعيشة ، وأصله المصدر ، فكأنه قال : معيشة ذات ضنك ، فلذلك لم يؤنث ويقع للمفرد والمثنى والمجموع بلفظ واحد (٢). وقرأ الجمهور «ضنكا» بالتنوين وصلا وإبداله ألفا وقفا كسائر المعربات (٣).
وقرأت فرقة «ضنكى» بألف كسكرى (٤). وفي هذه الألف احتمالان :
أحدهما : أنها بدل من التنوين (٥) ، وإنما أجري الوصل مجرى الوقف كما تقدم في نظائره ، وسيأتي منها بقية إن شاء الله تعالى.
والثاني : أن تكون ألف التأنيث ، بني المصدر على (فعلى) نحو دعوى. والضنك الضيق والشدة (٦) ، يقال منه : ضنك عيشه يضنك ضناكة وضنكا ، وامرأة ضناك كثيرة لحم البدن ، كأنهم تخيلوا ضيق جلدهابه(٧).
فصل
قال جماعة من المفسرين : الكافر بالله يكون حريصا على الدنيا طالبا للزيادة أبدا فعيشه ضنك ، وأيضا فمن الظلمة من ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة بكفره قال تعالى : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ)(٨) وقال : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ
__________________
(١) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٠. بتصرف.
(٢) يقع المصدر نعتا كثيرا ، وكان حقه أن لا ينعت به لجموده ، ولكن وقوعه نعتا قصدا للمبالغة أو توسعا بحذف مضاف ، وهو عند الكوفيين على التأويل بالمشتق ، ويلزم حينئذ الإفراد والتذكير ، نحو رجل عدل ، وامرأة عدل ، ورجلان عدل ، ورجال عدل. قال ابن مالك :
ونعتوا بمصدر كثيرا |
|
فالتزموا الإفراد والتذكيرا |
انظر شرح الأشموني ٣ / ٦٤.
(٣) وذلك لأن الوقف على النون المنصوب غير المؤنث بالتاء يكون بإبدال التنوين ألفا. انظر التبيان ٢ / ٩٠٧ ، البحر المحيط ٦ / ٢٨٧ ، شرح التصريح ٢ / ٣٣٨.
(٤) وهي قراءة الحسن. المختصر : (٩٠) ، البحر المحيط ٦ / ٢٨٦.
(٥) كقراءة الجمهور في حال الوقف ، وهنا بالألف وصلا ووقفا إجراء للوصل مجرى الوقف كما بين ابن عادل.
(٦) قال الزجاج : (الضنك أصله في اللغة الضيق والشدّة ، ومعناه ـ والله أعلم ـ أنّ هذه المعيشة الضنك في نار جهنم. وأكثر ما جاء في التفسير أنه عذاب القبر) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٣٧٨.
(٧) انظر اللسان (ضنك).
(٨) [البقرة : ٦١].