فصل
اعلم أنّ القوم لم يجدوا في جوابه إلّا طريقة التقليد فأجابوه بأنّ آباءهم سلكوا هذا الطريق ، فاقتدوا بهم ، فلا جرم أجابهم إبراهيم ـ عليهالسلام (١) ـ بقوله (٢) : (لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) فبين أنّ الباطل لا يصير حقا بكثرة المتمسكين به (٣). قوله : «أنتم» تأكيد للضمير المتصل.
قال الزمخشري : و«أنتم» من التأكيد الذي لا يصح الكلام مع الإخلال (٤) به ، لأن العطف على ضمير هو في حكم بعض الفعل ممتنع ، ونحوه (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)(٥). قال أبو حيان : وليس هذا حكما مجمعا عليه فلا يصح الكلام مع الإخلال (٦) به ، لأنّ الكوفيين يجيزون العطف على الضمير المتصل المرفوع من غير تأكيد بالضمير المنفصل ، ولا فصل (٧) ، وتنظير (٨) ذلك ب (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) مخالف لمذهبه في (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ) لأنه يزعم أنّ «وزوجك» ليس معطوفا على الضمير المستكن في «اسكن» بل مرفوع بفعل مضمر أي : وليسكن ، فهو عنده من قبيل عطف الجمل(٩) ، وقوله (١٠) هذا (١١) مخالف لمذهب (١٢) سيبويه (١٣).
__________________
(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٢) بقوله : سقط من ب.
(٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٨٠.
(٤) في ب : الإضلال. وهو تحريف.
(٥) [البقرة : ٣٥] ، [الأعراف : ١٩]. الكشاف ٣ / ١٤.
(٦) في ب : الإخلاط. وهو تحريف.
(٧) سبق أن بينت عند قوله تعالى : «فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً» [طه : ٥٨] أنه لا يجوز العطف على الضمير المرفوع المتصل إلا بعد تأكيده بالضمير المنفصل أو فصل يقوم مقام التأكيد. وهو مذهب البصريين. أما الكوفيون فيجوزون العطف على هذا الضمير بلا فصل اختيارا حكي : مررت برجل سواء والعدم ، وفي الصحيح «كنت وأبو بكر وعمر ، وفعلت وأبو بكر وعمر ، وانطلقت وأبو بكر وعمر». وهذا الحديث يحتمل أن يكون مرويّا بالمعنى.
انظر الهمع ٢ / ١٣٨ ـ ١٣٩.
(٨) في ب : وينظر. وهو تحريف.
(٩) وكلام الزمخشري عند هذه الآية مخالف لما حكاه أبو حيان عنه فإنه قال : (و«أنت» تأكيد للمستكن في «أسكن» ليصح العطف عليه) الكشاف ١ / ٦٣ فيفهم من كلامه أنه من عطف المفردات لا من عطف الجمل.
(١٠) في ب : وقويله. وهو تحريف.
(١١) في النسختين : هنا.
(١٢) في ب : لمذهبه. وهو تحريف.
(١٣) البحر المحيط ٦ / ٣٢٠. ذلك أنّ مذهب سيبويه في مسألة العطف على الضمير المرفوع المتصل كمذهب البصريين في ذلك حيث قال سيبويه في كتابه : (وأمّا ما يقبح أن يشركه المظهر فهو المضمر في الفعل المرفوع ، وذلك قولك : فعلت وعبد الله وأفعل وعبد الله) ثم ذكر تعليل الخليل لقبحه ، ثم قال : (فإن نعته حسن أن يشركه المظهر ، وذلك قولك : ذهبت أنت وزيد ، وقال الله عزوجل «اذهب أَنْتَ وَرَبُّكَ» [المائدة : ٢٤] «واسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ» [البقرة : ٣٥][الأعراف : ١٩] وذلك أنك لما وصفته حسن الكلام حيث طوله وأكده) الكتاب ٢ / ٣٧٨.