والمعنى الذي أورده صحيح ، وأما كونها مشكلة فهو إنما بناها على قول الجمهور ، والمشكل مقدر في بابه ، فلا يضرنا القياس عليه لتقريره في مكانه (١). قوله : (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) يجوز أن يكون الجار متعلقا بمحذوف على أنه حال من الضمير في «معرضون» (٢) وأن يكون خبرا من الضمير ، ومعرضون خبر ثان وقول أبي البقاء في هذا الجار : إنه خبر ثان (٣). يعني في العدد وإلا فهو أول في الحقيقة. وقد يقال : لمّا كان في تأويل المفرد جعل المفرد الصريح مقدما في الرتبة ، فهو ثان بهذا الاختيار.
وهذه الجملة في محل نصب على الحال من «للنّاس» (٤).
فصل
نزلت في منكري البعث ، والقرب (٥) لا يعقل إلا في المكان والزمان ، والقرب المكاني هنا ممتنع فتعين القرب الزماني. فإن قيل : كيف وصف بالاقتراب وقد عبر هذا القول أكثر من ستمائة عام؟
والجواب (٦) من وجوه :
الأول : أنه مقترب عند الله ، لقوله تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [الحج : ٤٧].
الثاني : أنّ (٧) كلّ آت قريب وإن طالت أوقات ترقبه ، وإنما البعيد هو الذي انقرض قال الشاعر :
٣٧٠٣ ـ فما زال ما تهواه أقرب من غد |
|
ولا زال ما تخشاه أبعد من أمس (٨) |
الثالث : أنّ (٩) المقابلة (١٠) إذا كانت مؤجلة إلى سنة ثم انقضى منها شهر ، فإنه لا يقال : اقترب الأجل ، أمّا إذا كان الماضي أكثر من الباقي فإنه يقال : اقترب الأجل. فعلى هذا الوجه قال العلماء : إن فيه دلالة على قرب القيامة ، ولهذا قال عليهالسلام (١١) : «بعثت أنا والسّاعة كهاتين» (١٢) وقال عليهالسلام : «ختمت النبوة» (١٣) كل ذلك لأجل
__________________
(١) الدر المصون : ٥ / ٤٣.
(٢) أي أعرضوا قافلين. التبيان ٢ / ٩١١.
(٣) المرجع السابق.
(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٩٦.
(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٩.
(٦) في ب : فالجواب.
(٧) أن : سقط من ب.
(٨) البيت من بحر الطويل لم أهتد إلى قائله. وهو في الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٩. البحر المحيط ٦ / ٢٩٥.
(٩) أن : سقط من ب.
(١٠) في الفخر الرازي : المعادلة.
(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٢) أخرجه مسلم (فتن) ٤ / ٢٢٦٩ ، ابن ماجه (فتن) ٢ / ١٣٤١ ، الدارمي ٢ / ٣١٣. أحمد ٥ / ١٠٣ ، ١٠٨.
(١٣) أخرجه أحمد في مسنده ٣ / ٣٦١.