هو غلط ، لأن «أن» نافية لا عمل لها (١). ونقل أبو البقاء عن غيره أنه قال في تخريجها : أنه ألقي (٢) حركة الهمزة على الياء فتحركت ، وبقيت الهمزة ساكنة ، فأبدلت ألفا (٣) لانفتاح ما قبلها ، ثم أبدلت همزة متحركة ، لأنها في حكم المبتدأ بها ، والابتداء بالساكن محال (٤). وهذا تخريج متكلف لا حاجة إليه ، ونسبة راويها عن ابن عباس إلى الغلط أولى من هذا التكلف فإنها قراءة شاذة ، وهذا التخريج وإن وقع (٥) في الأولى فلا يجري في الثانية شيئا. وسيأتي قريب من ادعاء قلب الهمزة ألفا ثم قلب الألف همزة في قوله : «منسأته» (٦) ـ إن شاء الله تعالى ـ ، وبذلك يسهل الخطب في التخريج المذكور والجملة الاستفهامية في محل نصب ب «أدري» ، لأنها معلقة لها عن العمل ، وأخر المستفهم عنه لكونه فاصلة ، ولو وسط لكان التركيب : أقريب ما توعدون أم بعيد ، ولكنه أخر مراعاة لرؤوس الآي (٧). و«ما توعدون» يجوز أن يكون مبتدأ وما قبله خبر عنه ومعطوف عليه ، وجوّز أبو البقاء فيه أن يرتفع فاعلا ب «قريب» قال : لأنه اعتمد على الهمزة. قال : ويخرج على قول البصريين أن يرتفع ب «بعيد» لأنه أقرب إليه (٨). يعني أنه يجوز أن تكون المسألة من التنازع فإن كلّا من الوصفين يصح تسلطه على «ما توعدون» من حيث المعنى.
فصل
المعنى (٩) : وما أدري أقريب أم بعيد ما توعدون ، يعني : القيامة أو من عذاب الدنيا. وقيل : الذي آذنهم به من الحرب لا يعلم هو قريب أم بعيد لئلا يقدر أن يتأخر ، وذلك أنّ السورة مكية ، وكان الأمر بالجهاد بعد الهجرة. وقيل : ما يوعدون من غلبة المسلمين عليهم (١٠).
قوله : (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ) والمقصود منه الأمر بالإخلاص وترك النفاق. و«من القول» حال من الجهر (١١). قوله : (لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ) الظاهر أن هذه الجملة
__________________
(١) لم أجد ما قاله ابن جني فيما رجعت إليه من كتبه ، وهو في التبيان ٢ / ٩٢٠.
(٢) في ب : التي. وهو تحريف.
(٣) ألفا : سقط من الأصل.
(٤) التبيان ٢ / ٩٣٠.
(٥) في الأصل : يقع.
(٦) من قوله تعالى : «فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ» [سبأ : ١٤].
حيث قرأ نافع وأبو عمرو «منساته» بألف من غير همز ، وقرأ الباقون بهمزة مفتوحة إلا ابن ذكوان فإنه سكن الهمزة. السبعة (٥٢٧) ، الكشف ٢ / ٢٠٣.
(٧) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٤٤.
(٨) التبيان ٢ / ٩٣٠.
(٩) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢٣٣. بتصرف.
(١٠) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢٣٣. بتصرف.
(١١) انظر التبيان ٢ / ٩٣٠.