والثاني : أنه نسق على الضمير في «يسبّحن» ، ولم يؤكد ولم يفصل ، وهو موافق لمذهب الكوفيين(١).
فصل
قال ابن عباس (٢) : (كان يفهم) (٣) تسبيح الحجر والشجر.
وقال وهب : كانت الجبال تجاوبه بالتسبيح ، وكذلك الطير.
وقال قتادة : «يسبّحن» أي : يصلين معه إذا صلى. وقيل : كان داود إذا فتر سمعه الله تسبيح الجبال والطير لينشط في التسبيح ويشتاق إليه (٤).
وقال بعض المفسرين (٥) : إنه يحتمل أن يكون تسبيح الجبال والطير بمثابة قوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)(٦) وتخصيص داود ـ عليهالسلام (٧) ـ بذلك إنما كان بسبب أنه كان يعرف ذلك ضرورة فيزداد يقينا وتعظيما.
وقالت المعتزلة : لو حصل الكلام في الجبل لحصل إما بفعله أو بفعل الله فيه ، والأول محال ، لأن بنية الجبل لا تحتمل الحياة والعلم والقدرة ، وما لا يكون حيا قادرا عاقلا (٨) يستحيل منه الفعل.
والثاني محال ، لأن المتكلم عندهم من كان فاعلا للكلام لا من كان محلا للكلام فلو كان فاعل ذلك الكلام هو الله لكان المتكلم هو الله لا الجبال. فثبت أنّه لا يمكن إجراؤه على ظاهره ، فعند هذا قالوا : معنى قوله : (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ) قوله : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ)(٩) أي : تصرفي معه وسيري بأمره. ومعنى «يسبّحن» من السبح الذي هو السباحة خرج اللفظ فيه على التكثير ولو أفرد لقيل : اسبحي ، فلما كثر قيل سبحي معه ، أي : سيري وهو كقوله : (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً)(١٠) أي : تصرفا ومذهبا ، إذا ثبت هذا فنقول : إن سيرها هو التسبيح لدلالته على قدرة الله. واعلم أنّ مدار هذا القول على أن بنية الجبال لا تقبل الحياة ، وأن المتكلم من فعل الكلام ، وكلاهما ممنوع. وأما
__________________
(١) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٤٠٠ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ٨٦ ، التبيان ٢ / ٩٢٣ البحر المحيط ٦ / ٣٣١.
(٢) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٥٠٥ ـ ٥٠٦.
(٣) ما بين القوسين سقط من ب.
(٤) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٥٠٥ ـ ٥٠٦.
(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٩ ـ ٢٠٠.
(٦) [الإسراء : ٤٤].
(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٨) في ب : عاقلا قادرا.
(٩) في قوله تعالى : «وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ» [سبأ : ١٠].
(١٠) [المزمل : ٧].