لا على الصور ، إذ لو أرسل الملك إليهم لما علم كونه نبيا بصورته ، وإنما كان يعلم بالعلم ، فإذا أظهر ذلك على من هو بشر فيجب أن يكون نبيا ، بل الأولى (١) أن يكون المبعوث إلى البشر بشرا ، لأن المرء إلى القبول من أشكاله (٢) أقرب ، وهو به أقيس. وأما الثاني وهو أن ما أتى به الرسول من القرآن ظاهره الوعيد لا مرية فيه ، ولا لبس ، وقد كان عليهالسلام (٣) يتحداهم بالقرآن مدّة من الزمان حالا بعد حال ، وهم أرباب الفصاحة والبلاغة ، وكانوا في نهاية الحرص على إبطال أمره ، وأقوى الأمور في إبطال أمره معارضة القرآن ، فلو قدروا على المعارضة لامتنع أن لا يأتوا بها ، لأن الفعل عند توفر الدواعي وارتفاع الصارف واجب الوقوع ، فلما لم يأتوا بها دلّنا ذلك على أنه في نفسه معجز ، وأنهم عرفوا حاله (٤) فكيف يجوز أن يقال : إنه سحر والحال ما ذكرناه وكل ذلك يدل على أنهم كانوا عالمين بصدقه إلا أنهم كانوا يموهون على ضعفائهم بمثل هذا القول ، وإن كانوا فيه مكابرين (٥). والمعنى : «أفتأتون» تحضرون (السِّحْرَ وَأَنْتُمْ) تعلمون أنه سحر(٦)(٧).
قوله تعالى : (قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٤) بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (٥) ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ)(٦)
قوله : (قالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ)(٨). قرأ (٩) الأخوان وحفص «قال» على لفظ الخبر والضمير للرسول ـ صلىاللهعليهوسلم (١٠) ـ.
والباقون : «قل» على الأمر له (١١).
قوله : (فِي السَّماءِ) فيه أوجه :
أحدها : أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من القول (١٢).
والثاني : أنه حال من فاعل «يعلم» (١٣) وضعفه أبو البقاء (١٤) ، وينبغي أن يمتنع (١٥).
__________________
(١) في ب : أولى.
(٢) في ب : إمكانه. وهو تحريف.
(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٤) في ب : حال. وهو تحريف.
(٥) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٣١ ـ ١٤٢.
(٦) انظر البغوي ٥ / ٤٧٥.
(٧) ما بين القوسين في الأصل : أنه ليس بسحر. وفي ب : أنه ليس بسحر. والتصويب من البغوي.
(٨) القول : سقط من ب.
(٩) في ب : في. وهو تحريف.
(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١١) السبعة (٤٢٨) الحجة لابن خالويه (٢٤٨) ، الكشف ٢ / ١٦٠ ، النشر ٢ / ١٢٣ الإتحاف ٣٠٦.
(١٢) انظر التبيان ٢ / ٩١٢.
(١٣) المرجع السابق.
(١٤) المرجع السابق. ووجه الضعف فيه إثبات المكانية بالنسبة لله سبحانه وتعالى ، وهذا ما تأباه عقيدة أهل السنة ولذلك قال المؤلف : وينبغي أن يمتنع.
(١٥) في ب : أن يمنع.