فصل(١)
في تعلق هذه الآية بما قبلها ، وهو أن كل (٢) من أثبت لله تعالى (٣) شريكا ليس عمدته إلا طلب اللمية في أفعال الله تعالى ، وذلك لأن الثنوية والمجوس وهم الذين أثبتوا الشريك لله تعالى ، قالوا : رأينا في العالم خيرا وشرا ، ولذة وألما ، وحياة وموتا ، وصحة وسقما ، وغنى وفقرا ، وفاعل خير وفاعل شر ، ويستحيل أن يكون الفاعل الواحد خيرا وشرّيرا معا ، فلا بد من فاعلين ليكون أحدهما فاعلا (للخير والآخر للشر) (٤) ، فرجع حاصل هذه القسمة إلى أن مدبر العالم لو كان واحدا فلم خصّ هذا بالحياة والصحة والغنى ، وخصّ هذا بالموت والألم والفقر. فيرجع حاصلة إلى طلب اللمية. لا جرم أنه تعالى بعد أن ذكر الدليل على التوحيد ذكر ما هو النكتة الأصلية في الجواب عن شبهة القائلين بالشريك ، لأن الترتيب الجيد في المناظرة أن يبتدأ بذكر الدليل المثبت للمطلوب ، ثم يذكر بعده الجواب عن شبهة الخصم.
قوله تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) استعظام لكفرهم ، وهو استفهام إنكار وتوبيخ (٥). (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) إما من جهة العقل وإما من جهة النقل ، واعلم أنه تعالى لما ذكر دليل التوحيد أولا ، وقرر الأصل الذي عليه تخرج شبهات القائلين بالتثنية أخذ يطالبهم بدليل شبهتهم. قوله : (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ) العامة على إضافة «ذكر» إلى «من» أضاف المصدر إلى مفعوله كقوله تعالى (بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ)(٦). وقرىء «ذكر» بالتنوين فيهما و«من» مفتوحة الميم (٧). نوّن المصدر ونصب به المفعول (كقوله تعالى)(٨)(أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً)(٩). وقرأ يحيى بن يعمر «ذكر» بتنوينهما (١٠) و«من» بكسر الميم (١١) ، وفيه تأويلان :
__________________
(١) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٥٥.
(٢) كل : سقط من ب.
(٣) تعالى : سقط من الأصل.
(٤) ما بين القوسين سقط من ب.
(٥) «أم» هنا مثل «أم» في قوله تعالى : «أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ» [الأنبياء : ٢١] وقد تقدم الكلام فيها. فإن «أم» هنا المنقطعة ومعناه الإضراب الذي يتضمن استفهاما إنكاريا.
والإضراب هنا للانتقال من غرض إلى غرض ، فإنه لما ذكر دليل التوحيد أولا ، وقرر الأصل الذي عليه تخرج شبهات القائلين بالتثنية أخذ يطالبهم بدليل شبهتهم.
(٦) من قوله تعالى : «قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ» [من سورة ص : ٤٢] فهو مصدر مضاف إلي المفعول به. البحر المحيط ٦ / ٣٠٦.
(٧) البحر المحيط ٦ / ٣٠٦.
(٨) ما بين القوسين سقط من ب.
(٩) [البلد : ١٤ ، ١٥] هذا على مذهب البصريين في إعمال المصدر المنون ، وأنكره الكوفيون ، وقالوا : إن وقع بعده مرفوع أو منصوب فبإضمار فعل يفسره المصدر. انظر إعراب ثلاثين سورة من القرآن :
(٩١) ، البحر المحيط ٦ / ٣٠٦ ، الهمع ٢ / ٩٣.
(١٠) في الأصل : بتنوينها. وهو تحريف.
(١١) المختصر : (٩١) ، المحتسب ٢ / ٦١ ، البحر المحيط ٦ / ٣٠٦.