إن تركتم عبادته. (أُفٍّ لَكُمْ) أي : نتنا وقذرا لكم (وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) تقدم الكلام على «أفّ» في سورة سبحان (١). قال الزمخشري : «أفّ» صوت إذا صوت به دل على أنّ صاحبه متضجر ، وأن إبراهيم ـ عليهالسلام (٢) ـ أضجره ما رأى من ثباتهم على عبادتها بعد وضوح الحق وانقطاع عذرهم وزهوق الباطل فتأفف (٣).
واللام في «لكم» وفي «لما» لام التبيين ، أي : التأفيف لكم لا لغيركم ، وهي نظير قوله : (هَيْتَ لَكَ)(٤). ثم قال (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أي : أليس لكم عقل تعقلون هذا وتعرفونه؟
قوله تعالى : (قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٦٨) قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (٦٩) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (٧٠) وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ)(٧١)
فلما ألزمهم الحجة وعجزوا عن الجواب (قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ) ليس في القرآن (٥) من القائل ذلك ، والمشهور أنه نمروذ بن كنعان بن سنجاريب (٦) بن نمروذ بن كوش (٧) بن حام بن نوح. وقال مجاهد : سمعت ابن عمر (٨) يقول : إنما أشار بتحريق إبراهيم رجل من الأكراد من فارس.
روى ابن جريج (٩) عن وهب عن شعيب (١٠) قال : إن الذي قال حرقوه اسمه هرين (١١) فخسف (١٢) الله به فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة (١٣).
__________________
(١) عند قوله تعالى : «وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً» [الإسراء : ٢٣]. وذكر ابن عادل هناك أنّ فيها أربعين لغة قال : وقد قرىء من هذه اللغات بسبع ثلاث في المتواتر وأربع في الشواذ فقرأ نافع وحفص بالكسر والتنوين ، وابن كثير وابن عامر بالفتح دون تنوين ، والباقون بالكسر دون تنوين ، ولا خلاف بينهم في تشديد الفاء ، وقرأ نافع في رواية «إف» بالرفع ، وأبو السمال بالضم من غير تنوين ، وزيد بن علي بالنصب والتنوين ، وابن عباس «أف» بالسكون. انظر اللباب ٥ / ٢٢٦ والسبعة (٣٧٩ ، ٤٢٩ ـ ٤٣٠) ، الكشف ٢ / ٥٤٤ البحر المحيط ٦ / ٢٣.
(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٣) الكشاف ٣ / ١٦.
(٤) [يوسف : ٢٣]. فيمن قرأ بهاء مفتوحة وياء ساكنة وتاء مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة ، ف «هيت» اسم فعل فإن كان مسماه فعل ماض أي تهيأت ، فاللام متعلقة به كما تتعلق بمسماه لو صرح به. أما إن كان مسماه فعل أمر بمعنى أقبل أو تعال ، فاللام للتبيين أي إرادتي لك أو أقول لك وأما من قرأ «هئت» مثل جئت فهو فعل بمعنى تهيأت ، واللام متعلقة به وأما من قرأ كذلك ولكن جعل التاء ضمير المخاطب فاللام للتبيين مثلها مع اسم الفعل. المغني ١ / ٢٢٢.
(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٨٧.
(٦) في الأصل : السنجاريب.
(٧) في ب : كوين. وهو تحريف.
(٨) عمر : سقط من ب.
(٩) في الأصل : ابن جرير. وهو تحريف.
(١٠) هو شعيب الجبائي.
(١١) في النسختين : هرير.
(١٢) في الأصل : خسف.
(١٣) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٨٧.