قوله تعالى : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)(٨٨)
قوله : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً) الآية (١). «ذا» بمعنى صاحب و«النون» الحوت. ويجمع على نينان (٢) كحوت وحيتان والمراد بذي النون يونس ـ عليهالسلام (٣) ـ وسمي بذلك ، لأنّ النون ابتلعه. وقد تقدم أن الاسم إذا دار بين أن يكون مفيدا ولقبا فحمله على المفيد أولى خصوصا إذا علمت الفائدة التي لذلك الوصف (٤).
قوله : «مغاضبا» حال من فاعل «ذهب» (٥) والمفاعلة هنا تحتمل أن تكون على بابها من المشاركة ، أي : غاضب قومه وغاضبوه حين لم يؤمنوا في أول الأمر (٦) ، وفي بعض التفاسير : مغاضبا لربه(٧) فإن صح ذلك عمن يعتبر قوله ، فينبغي أن تكون اللام للتعليل لا التعدية للمفعول ، أي : لأجل ربه ولدينه(٨).
ويحتمل أن يكون بمعنى غضبان ، فلا مشاركة كعاقبت وسافرت (٩). والعامة على «مغاضبا» اسم فاعل. وقرأ أبو شرف (١٠) «مغاضبا» بفتح الضاد على ما لم يسم فاعله كذا نقله أبو حيان (١١). ونقله الزمخشري عن أبي شرف «مغضبا» دون ألف من أغضبته فهو مغضب (١٢).
قوله : «أن لّن» «أن» (١٣) هذه المخففة ، واسمها ضمير الشأن محذوف ، و«لن نقدر» هو الخبر ، والفاصل حرف النفي (١٤). والمعنى : لن نضيق عليه كقوله : (فَقَدَرَ عَلَيْهِ
__________________
(١) الآية : سقط من ب.
(٢) النون : الحوت ، الجمع أنوان ونينان ، وأصله : نونان ، فقلبت الواو ياء لكسرة النون. اللسان (نون).
(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٤) الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٢.
(٥) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٨٦ ، البيان ٢ / ١٦٤ ، التبيان ٢ / ٩٢٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٤.
(٦) انظر البحر المحيط : ٦ / ٣٣٤.
(٧) وهو قول ابن مسعود وابن عباس والحسن والشعبي وسعيد بن جبير ووهب واختيار ابن قتيبة ومحمد بن جرير. الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٤.
(٨) انظر إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٧٧ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٥.
(٩) انظر البحر المحيط : ٦ / ٣٣٤.
(١٠) لم أقف له على ترجمة فيما رجعت إليه من مراجع.
(١١) وفي البحر المحيط : (وقرأ أبو شرف «مغضبا» اسم مفعول) ٦ / ٣٣٥.
(١٢) قال الزمخشري : (وقرأ أبو شرف «مغضبا») الكشاف ٣ / ١٩. وقال ابن خالويه :(«إذ ذهب مغضبا» أبو شرف) المختصر (٩٢).
(١٣) أن : سقط من ب.
(١٤) وذلك أنّ (أنّ) إذا خففت فاسمها ضمير الشأن محذوف ، والخبر الجملة الواقعة بعد «أن» ، فإن كان ـ