قوله تعالى : (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤) قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (١٢٥) قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (١٢٦) وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقى)(١٢٧)
قوله : (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً) هنا سؤال (١) وهو أن قوله : «اهبطا» إما أن يكون خطابا مع شخصين أو أكثر ، فإن كان خطابا مع شخصين فكيف قال بعده : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ) وهو خطاب الجمع؟ وإن كان خطابا (٢) بالجمع فكيف قال : «اهبطا»؟ وأجاب أبو مسلم : بأن الخطاب لآدم ومعه ذريته ، ولإبليس ومعه ذريته ، ولكونهما جنسين صح قوله : «اهبطا» ولأجل اشتمال كل واحد من الجنسين على الكثرة صح قوله : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ).
وقال الزمخشري : لما كان آدم وحواء عليهماالسلام أصل (٣) البشر اللذين (٤) منهما تفرعوا كأنهما البشر أنفسهما ، فخوطبا مخاطبتهم (٥) ، فقيل : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ) على لفظ الجماعة (٦)(٧).
ومن قال : بأنّ أقلّ الجمع اثنان ، أو بأنه يعبر عن الاثنين بلفظ الجمع ، كقوله : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما)(٨) فلا يحتاج إلى التأويل.
قوله : (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) تقدم تفسيره (٩).
(فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ) وهذا يدل (١٠) على أن المراد الذرية والمراد بالهدى الرسل ، وقيل : الآيات والأدلة ، وقيل : القرآن (١١).
(فَلا يَضِلُّ) في الدّنيا ، (وَلا يَشْقى) في الآخرة ، لأنه تعالى يهديه إلى الجنة.
__________________
(١) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٢٩ ـ ١٣٠.
(٢) في النسختين : خطأ. وهو تحريف.
(٣) في النسختين : أصل. وهو تحريف.
(٤) في الكشاف : والسببين اللذين. وفي النسختين : الذين.
(٥) في النسختين : فخوطبوا مخاطبتهما. وهو تحريف.
(٦) الكشاف ٢ / ٤٥٠.
(٧) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٢٩ ـ ١٣٠.
(٨) [التحريم : ٤].
(٩) في سورة البقرة عند قوله تعالى : «فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ» [البقرة : ٣٦].
(١٠) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٣٠. بتصرف.
(١١) والتحقيق أن الهدى عبارة عن الدلالة فيدخل فيه ذلك.