ولم يؤثّر هنا شذوذا ، وهذا نظير قول الآخر : [البسيط]
٣٥٩٩ ـ لو لا فوارس من نعم وأسرتهم |
|
يوم الصّليفاء لم يوفون بالجار (١) |
فلم يعمل «لم» وأبقى نون الرّفع.
و«من البشر» حال من «أحدا» لأنه لو تأخّر ، لكان وصفا ، وقال أبو البقاء (٢) : «أو مفعول» يعني أنه متعلّق بنفس الفعل قبله.
قوله تعالى : «فقولي» بين هذا الجواب ، وشرطه جملة محذوفة ، تقديره : فإمّا ترينّ من البشر أحدا ، فسألك الكلام ، فقولي ، وبهذا المقدّر نخلص من إشكال : وهو أنّ قولها (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) كلام ؛ فيكون ذلك تناقضا ؛ لأنها قد كلّمت إنسيّا بهذا الكلام ، وجوابه ما تقدّم.
ولذلك قال بعضهم : إنّها ما نذرت في الحال ، بل صبرت ؛ حتّى أتاها القوم ، فذكرت لهم : (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا).
وقيل : المراد بقوله «فقولي» إلى آخره ، أنه بالإشارة ، وليس بشيء ؛ بل المعنى : فلن أكلّم اليوم إنسيّا بعد هذا الكلام.
وقرأ (٣) زيد بن عليّ «صياما» بدل «صوما» ، وهما مصدران.
فصل في معنى صوما
معنى قوله تعالى : «صوما» : أي صمتا ، وكذلك كان يقرأ ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ ، والصّوم في اللّغة : الإمساك عن الطّعام والكلام.
قال السديّ : كان في بني إسرائيل (٤) من إذا أراد أن يجتهد ، صام عن الكلام ، كما يصوم عن الطّعام ، فلا يتكلّم حتّى يمسي.
قيل : كانت تكلّم الملائكة ، ولا تكلّم الإنس.
قيل : أمرها الله تعالى بنذر الصّمت ؛ لئلّا تشرع مع من اتّهمها في الكلام ؛ لمعنيين :
أحدهما : أن كلام عيسى ـ صلوات الله عليه ـ أقوى في إزالة التّهمة من كلامهما ، وفيه دلالة على أنّ تفويض (٥) [الأمر](٦) إلى الأفضل أولى.
__________________
(١) ينظر البيت في الخصائص ١ / ٣٨٨ ، والمحتسب ٢ / ٤٢ ، شرح المفصل لابن يعيش ٧ / ٨ ، المغني ٢ / ٣٣٩ ، التصريح ٢ / ٢٤٧ ، الهمع ٢ / ٥٦ ، الأشموني ٤ / ٦ ، الدرر ٢ / ٧٢ ، الخزانة ٩ / ٥ ، اللسان «صلف» ، الدر المصون ٤ / ٥٠٢.
(٢) ينظر : الإملاء ٢ / ١١٣.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٦ / ١٧٦ ، والكشاف ٣ / ١٤ والدر المصون ٤ / ٥٠٢.
(٤) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٩٣) عن السدي.
(٥) في ب : الكلام.
(٦) في ب : الكلام.