السنة كانت موازنة فحكم به ، كما قال الشافعي (١) : فيمن غصب عبدا فأبق من يده أنه يضمن القيمة فينتفع بها المغصوب منه (٢) بإيزاء ما فوته الغاصب من منافع العبد فإذا ظهر ترادّا.
فصل (٣)
إذا ثبت أنّ تلك المخالفة كانت مبنية على الاجتهاد ، فهل تدل هذه القصة على أنّ المصيب واحد ، أو الكل مصيبين؟. فمن قال : إنّ المصيب واحد استدل بقوله تعالى (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) قال : ولو كان الكل مصيبون لم يكن لتخصيص سليمان بهذا التفهيم فائدة. وأما القائلون بأنّ الكل مصيبون فمنهم من (٤) استدل بقوله تعالى (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) ، ولو كان المصيب (٥) واحدا ومخالفه مخطئا لما صح أن يقال : (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً). قال ابن الخطيب : وكلا الاستدلالين ضعيف أما الأول : فلأنّ الله ـ تعالى ـ لم يقل إنه فهمه الصواب ، فيحتمل أنه فهمه الناسخ ، ولم يفهم ذلك داود ، فكل واحد منهما مصيب فيما حكم به على أن أكثر ما في الآية أنّها دالة على أنّ داود وسليمان ما (٦) كانا مصيبين ، وذلك لا يوجب أن يكون الأمر كذلك في شرعنا.
وأما الثاني : فلأنه تعالى لم يقل : كلّا آتيناه حكما فيما حكم به هنا ، بل يجوز أن يكون إيتاؤه حكما وعلما بوجوه الاجتهاد وطرق الأحكام ، على أن لا يلزم من كون كل مجتهد مصيب في شرعهم أن يكون الأمر كذلك في شرعنا (٧).
قوله تعالى : (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ) هذه من النعم التي خصّ بها داود فقوله : «يسبّحن» في موضع نصب على الحال (٨).
«والطّير» يجوز أن ينتصب نسقا على «الجبال» ، وأن ينتصب على المفعول معه (٩) وقيل : «يسبّحن» مستأنف فلا محل له (١٠). وهو بعيد. وقرىء «والطّير» رفعا وفيه وجهان :
أحدهما : أنه مبتدأ والخبر محذوف ، أي : والطير مسخرات أيضا (١١).
__________________
(١) في ب : الشافعي ـ رحمهالله ـ.
(٢) منه : سقط من ب.
(٣) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٨ ـ ١٩٩.
(٤) من : سقط من ب.
(٥) في الأصل : المصيبو. وهو تحريف.
(٦) ما : سقط من ب.
(٧) الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٩.
(٨) انظر الكشاف ٣ / ١٧ ، التبيان ٢ / ٩٢٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣١.
(٩) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٥٨٦ الكشاف ٣ / ١٧ ، البيان ٢ / ١٦٣ ، التبيان ٢ / ٩٢٣ البحر المحيط ٦ / ٣٣١.
(١٠) انظر الكشاف ٣ / ١٧ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣١.
(١١) التبيان ٣ / ٩٢٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣١.