جعل النار بردا وسلاما لا أنّ هناك كلاما (١) كقوله : (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(٢) أي : يكونه. واحتج عليه بأن النار جماد فلا يجوز خطابه.
والأكثرون على أنه وجد ذلك القول ، ثم هؤلاء لهم قولان :
أحدهما : قال السّديّ : القائل هو جبريل.
والثاني : قول الأكثرين إنّ القائل هو الله تعالى ، وهو الأقرب الأليق بالظاهر.
وقوله : النار جماد فلا يكون في خطابها فائدة.
فالجواب : لم لا يجوز أن يكون المقصود من ذلك الأمر مصلحة عائدة إلى الملائكة.
فصل (٣)
اختلفوا في كيفية برد النار. فقيل : إن الله تعالى أزال ما فيها من الحرارة والإحراق ، وأبقى ما فيها من الإضاءة والإشراق ، والله على كل شيء قدير.
وقيل : إنه تعالى خلق في جسم إبراهيم كيفية مانعة من وصول النار إليه كما يفعل بخزنة جهنم في الآخرة ، وكما أنه ركب بنية النعامة بحيث لا يضرها ابتلاع الحديدة (٤) المحماة ، وبدن السمندل بحيث لا يضره المكث في النار. وقيل : إنه خلق بينه وبين النار حائلا يمنع من وصول أثر النار إليه.
قال المحققون : والأول أولى ، لأنّ ظاهر قوله (يا نارُ كُونِي بَرْداً) أي نفس النار صارت باردة حتى سلم إبراهيم من تأثيرها. فإن قيل : النار إن بقيت كما كانت ، والحرارة جزء من مسمى النار ، وامتنع كون النار باردة ، فإذن يجب أن يقال : المراد من النار الجسم الذي هو أحد أجزاء مسمى النار ، وذلك مجاز فلم كان مجازكم أولى. فالجواب : أن المجاز الذي ذكرناه يبقى معه حصول البرد وفي الذي ذكرتم لا يبقى ذلك ، فكان مجازنا أولى (٥).
فصل (٦)
معنى كون النار سلاما على إبراهيم : أنّ البرد إذا أفرط (٧) أهلك كالحر فلا بدّ من الاعتدال ، وهو من وجوه :
__________________
(١) في النسختين كلام. والصواب ما أثبته.
(٢) من قوله تعالى : «إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» [يس : ٨٢].
(٣) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٨٩.
(٤) في ب : الحديد.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٨٩.
(٦) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٨٩.
(٧) في الأصل : فرط.