الثاني : أنه منصوب بإضمار (اذكر) ، أي : اذكر نوحا وداود وسليمان أي : اذكر خبرها وقصتهم ، وعلى هذا فيكون «إذ» منصوبة بنفس المضاف المقدر ، أي : خبرهم (١) الواقع في وقت كان كيت وكيت(٢).
وقوله : «من قبل» أي : من قبل هؤلاء المذكورين (٣).
فصل
المراد من هذا النداء (٤) : دعاؤه على قومه بالعذاب ، ويدل على ذلك قوله : (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ)(٥) ، وقوله : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً)(٦) ويؤكده قوله تعالى (فَاسْتَجَبْنا لَهُ)(٧) «فنجّيناه» ، يدل على ذلك أنّ نداءه ودعاءه كان بأن ينجيه مما يلحقه من جهتهم من الأذى بسبب تكذيبهم وردهم عليه واتفق المحققون على أنّ ذلك النداء كان بأمر الله ، لأنّه لو لم يكن بإذنه لم يؤمن أن يكون المصلحة أن لا يجاب إليه ، فيصير ذلك سببا لنقصان حال الأنبياء. وقال آخرون : لم يكن مأذونا له في ذلك. قال أبو أمامة : لم يتحسر أحد من (٨) خلق الله كحسرة آدم ونوح ـ عليهماالسلام (٩) ـ فحسرة آدم على قبول (١٠) وسوسة إبليس ، وحسرة نوح على دعائه على قومه فأوحى الله إليه أن دعوتك وافقت قدرتي(١١) قوله : (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) المراد بالأهل هنا : أهل دينه (١٢) قال ابن عباس : المراد (مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) من الغرق وتكذيب قومه (١٣) وقيل : لأنه كان أطول الأنبياء عمرا وأشدّهم بلاء ، والكرب أشد الغم (١٤).
قوله : (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ) فيه أوجه :
أحدها : أن يضمن «نصرناه» معنى منعناه وعصمناه ، ومثله (فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ)(١٥) فلما تضمن معناه تعدى تعديته (١٦).
__________________
(١) في الأصل : أخبرهم.
(٢) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٣٩٩ ، ومشكل إعراب القرآن ٢ / ٨٥ ، البيان ٢ / ١٦٣ والتبيان ٢ / ٩٢٣.
(٣) انظر الكشاف ٣ / ١٧.
(٤) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٣.
(٥) من قوله تعالى :«فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ» [القمر : ١٠].
(٦) [نوح : ٢٦].
(٧) فاستجبنا له : سقط من الأصل.
(٨) في النسختين : لم يحسر أحد في.
(٩) في ب : عليهما الصلاة والسلام.
(١٠) قبول : سقط من ب.
(١١) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٣.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٣.
(١٣) انظر البغوي ٥ / ٥٠٢.
(١٤) المرجع السابق.
(١٥) [غافر : ٢٩].
(١٦) انظر التبيان ٢ / ٩٢٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٠.