قيل : كيف كان رحمة وقد جاء بالسيف واستباحة المال؟ فالجواب من وجوه :
الأول : إنما جاء بالسيف لمن أنكر وعاند ولم يتفكر ولم يتدبر ، ومن أوصاف الله الرحمن الرحيم ، وهو منتقم من العصاة. وقال : (وَنَزَّلْنا (١) مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً)(٢) ثم قد يكون سببا للفساد.
الثاني : أنّ كل نبي من الأنبياء قبله إذا كذبه قومه أهلك الله المكذبين بالخسف والمسخ والغرق ، وأنه تعالى أخر عذاب من كذب رسولنا إلى الموت أو إلى القيامة قال الله (٣) تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)(٤) ولا يقال : أليس أنه قال : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ)(٥). وقال : (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ)(٦) لأنا نقول تخصيص العام لا يقدح فيه.
الثالث : أنه ـ عليهالسلام (٧) ـ كان في نهاية حسن الخلق قال تعالى : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)(٨) وقيل له ـ عليهالسلام (٩) ـ : ادع على المشركين. فقال : «إنما بعثت رحمة ولم أبعث عذابا» ، وقال في رواية حذيفة : «إنّما أنا بشر (١٠) أغضب كما يغضب البشر ، فأيما رجل سببته أو لعنته فاجعلها اللهم عليه صلاة إلى يوم القيامة» (١١).
الرابع : قال عبد الرحمن بن زيد (١٢) : (إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) يعني المؤمنين خاصة (١٣).
فصل(١٤)
قالت المعتزلة : لو كان تعالى أراد من الكافر الكفر ولم يرد منه القبول من الرسول ، بل ما أراد منهم إلا الرد عليه ، وخلق ذلك فيهم ، ولم يخلقهم إلا لذلك كما يقول أهل
__________________
(١) في النسختين : وأنزلنا. وهو تحريف.
(٢) من قوله تعالى : «وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ» [ق : ٩].
(٣) لفظ الجلالة : سقط من ب.
(٤) من قوله تعالى : «وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» [الأنفال : ٣٣].
(٥) من قوله تعالى : «قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ» [التوبة : ١٤].
(٦) في النسختين : ليعذب المنافقين. وهو تحريف. وهو من قوله تعالى :«لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً» [الأحزاب : ٧٣].
(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٨) [القلم : ٤].
(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٠) في الأصل : رجل.
(١١) أخرجه أحمد ٣ / ٤٩٣.
(١٢) تقدم.
(١٣) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢٣٠ ـ ٢٣١.
(١٤) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢٣١.