بينا أنّ قوله : (أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) لا يمكن إجراؤه على ظاهره إلا في حق من كان في النار. وعن الثالث : أن قوله : (لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) مخصوص بما (١) بعد الخروج (٢).
وعلى قول المعتزلة بأن المراد بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) أنهم لا يدخلون النار ولا يقربونها ، يبطل القول بأن جميع الناس يردون النار ، ثم يخرجون إلى الجنة ، فيجب التوفيق بينه وبين قوله : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها)(٣) وقد تقدم (٤).
قوله : (وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ) إلى قوله : (وَتَتَلَقَّاهُمُ)(٥) كل جملة من هذه الجمل يحتمل أن تكون حالا مما قبلها ، وأن تكون مستأنفة ، وكذلك الجملة المضمرة من القول العامل في جملة قوله (هذا يَوْمُكُمُ) إذ التقدير : وتتلقاهم الملائكة يقولون هذا يومكم.
فصل
معنى (لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها)(٦) أي : صوتها وحركة تلهبها إذا نزلوا منازل لهم في الجنة. والحس والحسيس : الصوت الخفي (٧). (وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ) مقيمون كقوله : (وَفِيها ما) تشتهي (الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ)(٨)(لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) النفخة الأخيرة لقوله تعالى : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ)(٩)(فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ)(١٠). وقال الحسن : حين يؤمر بالعبد إلى النار. وقال ابن جريج : حين يذبح الموت وينادى يا أهل الجنة خلود فلا موت. وقال سعيد بن جبير والضحاك : هو أن تطبق جهنم ، وذلك بعد أن يخرج الله منها من يريد أن يخرجه.
(وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) أي : تستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يقولون (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)(١١). فإن قيل : أي بشارة في أنهم لا يسمعون حسيسها؟
فالجواب : المراد منه تأكيد بعدهم عنها ، لأن من قرب منها قد يسمع حسيسها (١٢) فإن قيل : أليس أهل الجنة يرون أهل النار ، فكيف لا يسمعون حسيس النار؟ فالجواب : إذا حملناه على التأكيد زال هذا السؤال (١٣).
__________________
(١) بما : سقط من ب.
(٢) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢٢٦.
(٣) [مريم : ٧١].
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢٢٧.
(٥) قال الله تعالى : «وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ».
(٦) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٥٣٨ ـ ٥٣٩.
(٧) اللسان (حسس).
(٨) [الزخرف : ٧١].
(٩) في النسختين : نفخ. وهو تحريف.
(١٠) [النمل : ٨٧]. وانظر الكشاف ٣ / ٢٢ ، الفخر الرازي ٢٢ / ٢٢٧.
(١١) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٥٣٨ ـ ٥٣٩.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢٢٧.
(١٣) المرجع السابق.