ومن رأى التعدية بالهمزة قياسا ، قال : «آتانيه» قال شهاب الدين : وهذه الأبحاث التي ذكرها الشيخ ـ رحمهالله ـ معه ظاهرة الأجوبة ، فلا نطوّل بذكرها.
وقرأ الجمهور «فأجاءها» أي : ألجأها وساقها ، ومنه قوله : [الوافر]
٣٥٨٧ ـ وجار سار معتمدا إليكم |
|
أجاءته المخافة والرّجاء (١) |
وقرأ (٢) حمّاد بن سلمة «فاجأها» بألف بعد الفاء ، وهمزة بعد الجيم ، من المفاجأة ، بزنة «قابلها» ويقرأ (٣) بألفين صريحتين ؛ كأنهم خفّفوا الهمزة بعد الجيم ، وبذلك رويت بين بين.
والجمهور على فتح الميم من «المخاض» وهو وجع الولادة ، وروي عن ابن كثير (٤) بكسر الميم ، فقيل : هما بمعنى ، وقيل : المفتوح : اسم مصدر ؛ كالعطاء والسلام ، والمكسور مصدر ؛ كالقتال واللّقاء ، والفعال : قد جاء من واحد ؛ كالعقاب والطّراق ، قاله أبو البقاء (٥) ، والميم أصلية ؛ لأنه من «تمخّضت الحامل تتمخّض».
و (إِلى جِذْعِ) يتعلق في قراءة العامّة ب «أجاءها» أي : ساقها إليه.
وفي قراءة حمّاد بمحذوف ؛ لأنه حال من المفعول ، أي : فاجأها مستندة إلى جذع النّخلة.
فصل في معنى الآية
المعنى : ألجأها المخاض ، وهو وجع الولادة إلى جذع النّخلة ؛ لتستند إليها ، وتتمسّك بها عند وجع الولادة ، وكانت نخلة يابسة في الصحراء في شدّة الشّتاء ، ولم يكن لها سعف ، ولا خضرة ، والتعريف فيها : إمّا أن يكون من تعريف الأسماء الغالبة ؛ كتعريف النّجم [والصّعق](٦) أو كانت تلك الصّحراء كان فيها جذع نخلة مشهور عند النّاس.
فإن قيل : جذع النّخلة فهم منه ذلك دون سائره ، وإمّا أن يكون تعريف الجنس ، أي : إلى جذع هذه الشّجرة خاصّة ؛ كأنّ الله تعالى أرشدها إلى النّخلة ؛ ليطعمها منها الرّطب الذي هو أشبه الأشياء موافقة للنّفساء ، ولأنّ النخلة أشدّ الأشياء صبرا على البرد ، ولا تثمر إلّا عند اللّقاح ، وإذا قطع رأسها ، لم تثمر ، فكأنّ الله تعالى قال : كما أنّ الأنثى لا تلد إلّا مع الذّكر ،
__________________
(١) البيت لزهير. ينظر : ديوانه (٢٩) شرح ديوان الحماسة ١ / ٣٠٢ ، البحر ٦ / ١٧٢ ، القرطبي ١١ / ٦٣ ، مجاز القرآن ٢ / ٤ ، روح المعاني ١٦ / ٨١ ، الدر المصون ٤ / ٤٩٨.
(٢) ينظر في قراءاتها : المحتسب ٢ / ٣٩ ، والشواذ ٨٤ ، والقرطبي ١١ / ٦٣ ، والبحر ٦ / ١٧٢ ، والدر المصون ٤ / ٤٩٧.
(٣) نسبها ابن خالويه في الشواذ إلى حماد بن سليمان عن عاصم.
(٤) ينظر : القرطبي ١١ / ٦٣ ، والبحر ٦ / ١٧٢ ، والدر المصون ٤ / ٤٩٨.
(٥) ينظر : الإملاء ٢ / ١١٢.
(٦) في ب : وابن الصعق.