تعالى (١) لم يخله من إنعامه وعطائه (٢).
فصل (٣)
اعلم أن فرعون كان شديد القوة عظيم الغلبة كثير العسكر ، ثم إن موسى لما دعاه إلى ربه (٤) لم يبطش به ، ولم يؤذه ، بل خرج معه في المناظرة ، لأنه لو أذاه لنسب إلى الجهل والسفاهة ، فاستنكف من (٥) ذلك وشرع في المناظرة ، وذلك يدل أن السفاهة من غير حجة شيء لم يرضه فرعون مع كمال جهله وكفره فكيف يليق ذلك بمن يدعي الإسلام والعلم؟ ثم إن فرعون لما سأل موسى ـ عليهالسلام (٦) ـ عن ذلك قبل موسى ذلك السؤال ، واشتغل بإقامة الدلالة على وجود الصانع ، وذلك يدل على فساد التقليد ، ويدل أيضا على قول التعليمية (٧) الذين يقولون : نستفيد معرفة الإله من قول الرسول ، لأن موسى ـ عليهالسلام (٨) ـ اعترف هاهنا بأن معرفة الله تجب أن تكون مقدمة على معرفة الرسول. ودلت الآية أيضا على أنه يجوز حكاية كلام المبطل ، لأنه تعالى حكى كلام فرعون في إنكاره الإله ، وحكى شبهات منكري النبوة ، وشبهات منكري الحشر (٩) إلا أنه يجب أن يذكر الجواب مقرونا بالسؤال (١٠) (كما فعل الله (١١) تعالى في هذه المواضع لئلا يبقى الشك) (١٢).
ودلت الآية على أن المحق يجب عليه استماع كلام المبطل ويجيب عنه من غير إيذاء ولا إيحاش ، كما فعل موسى عليهالسلام (١٣) بفرعون هاهنا ، ولقوله تعالى : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)(١٤) ، وقال : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ)(١٥).
فصل (١٦)
قال بعضهم : إنّ فرعون كان عارفا بالله تعالى إلا أنه كان يظهر الإنكار (١٧) تكبرا
__________________
(١) تعالى : سقط من ب.
(٢) انظر الكشاف ٢ / ٤٣٥ ، البحر المحيط ٦ / ٢٤٧.
(٣) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٦٢ ـ ٦٣.
(٤) في ب : الله.
(٥) في ب : عن.
(٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٧) التعليمية : سقط من ب.
(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٩) في ب : البعث.
(١٠) في ب : لأنه يجب أن يذكر السؤال مقرونا بالجواب.
(١١) لفظ الجلالة مكرر في الأصل.
(١٢) ما بين القوسين سقط من ب.
(١٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٤) [النحل : ٢٥].
(١٥) [التوبة : ٦].
(١٦) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٦٣ ـ ٦٤ بتصرف يسير.
(١٧) في ب : ينكر الإظهار. وهو تحريف.