وروي أنه دخل ابن عباس على معاوية ، فقال معاوية : لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة ، فغرقت فيها ، فلم أجد لنفسي خلاصا إلا بك. فقال : وما هي؟ قال : ظن نبي الله أن لن يقدر الله عليه. فقال ابن عباس : هذا من القدر لا من القدرة.
الرابع : فظن أن لن (١) (نقدر ، أي : فظن أن لن نفعل لأن) (٢) بين القدرة والفعل مناسبة ، فلا يبعد جعل أحدهما مجازا عن الآخر.
الخامس : أنه استفهام بمعنى التوبيخ كما تقدم عن ابن زيد (٣).
السادس : قول من قال إن هذه الواقعة كانت قبل رسالة يونس ، فيكون هذا الظن حاصلا قبل الرسالة ، وإذا كان كذلك فلا يبعد في حق غير الأنبياء أن يسبق ذلك إلى وهمه بوسوسة الشيطان ، ثم إنه يرده بالحجة والبرهان.
وأما الجواب عن قوله (إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فنقول : إن حملناه على ما قبل النبوة فلا كلام ، وإن حملناه على ما بعدها فيجب تأويله ، لأنا لو أجريناه على ظاهره ، لاستحق اللعن ، وهذا لا يقوله مسلم ، وإذا وجب التأويل فنقول : لا شك أنه كان تاركا للفضيلة مع القدرة على تحصيل الأفضل ، فكان ذلك ظلما.
وأما الجواب عن إلقائه في البحر في بطن الحوت ، وأن ذلك عقوبة ، فلا نسلم أنّ ذلك عقوبة ، إذ الأنبياء لا يجوز أن يعاقبوا بل المراد المحنة.
وأما الجواب عن الملامة فإنما كان بسبب ترك الأفضل (٤).
فصل
قوله (٥)(فَنادى فِي الظُّلُماتِ) قال الزمخشري : أي : في الظلمة الشديدة المتكاثفة في بطن الحوت كقوله : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ)(٦) وقوله : «يخرجهم (مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ)(٧). وقيل : أراد ظلمة الليل والبحر وبطن الحوت (٨).
(أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ) نزه ربه عن كل النقائص ، ومنها العجز ، وهذا يدلّ على أنه ما كان مراده من قوله : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) أنه ظن العجز ، وإنما قال : «سبحانك» ، لأنّ معناه سبحانك أن تفعل جورا أو شهوة الانتقام أو عجزا عن تخليصي عن هذا الحبس ، بل فعلته بحق الإلهية وبمقتضى الحكمة (٩)(إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)
__________________
(١) في الأصل : لم. وهو تحريف.
(٢) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
(٣) تقدم قريبا.
(٤) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٣ ـ ٢١٦.
(٥) قوله : سقط من الأصل.
(٦) [البقرة : ١٧].
(٧) [البقرة : ٢٥٧].
(٨) الكشاف ٣ / ١٩.
(٩) في النسختين : الإلهية. انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٦.