نكس رأسه ونكّسه مخففا ومشددا. أي : طأطأه حتى صار أعلاه أسفله (١).
وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة وابن الجارود (٢) وابن مقسم : «نكّسوا» بالتشديد (٣) وقد تقدم أنه لغة في المخفف ، فليس التشديد لتعدية ولا لتكثير.
وقرأ رضوان بن عبد المعبود (٤) : «نكسوا» مخففا مبنيا للفاعل (٥) ، وعلى هذا فالمفعول محذوف تقديره : نكسوا أنفسهم على رؤوسهم.
فصل
قال المفسرون : أجرى الله الحق على ألسنتهم في القول الأول (٦) ثم أدركتهم الشقاوة فهو معنى قوله : (ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ) أي : ردوا إلى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالظلم (٧). وقيل : قلبوا على رؤوسهم حقيقة بفرط إطراقهم خجلا وانكسارا وانخزالا مما بهتهم إبراهيم ، فما أحاروا جوابا إلا ما هو حجة لإبراهيم ـ عليهالسلام (٨) ـ حين جادلهم ـ فقالوا : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) فأقروا بهذه الحجة التي لحقتهم (٩).
قوله : (لَقَدْ عَلِمْتَ) هذه الجملة جواب قسم محذوف ، والقسم وجوابه معمولان لقول مضمر ، وذلك القول المضمر حال من مرفوع «نكسوا» أي : نكسوا قائلين : والله لقد علمت (١٠).
قوله : (ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ) يجوز أن تكون «ما» حجازية (١١) فيكون «هؤلاء» و«ينطقون» في محل نصب خبرها.
أو تميمية فلا عمل لها. والجملة المنفية بأسرها سادة مسد المفعولين إن كانت «علمت» على بابها ، ومسد واحد إن كانت عرفانية (١٢).
قوله : (قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً) إن عبدتموه ، (وَلا يَضُرُّكُمْ)
__________________
(١) وفي اللسان (نكس) : النّكس : قلب الشيء على رأسه ، نكسه ينكسه نكسا فانتكس ، ونكس رأسه : أماله ، ونكّسته تنكيسا ، وفي التنزيل : (ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [السجدة : ١٢]. والناكس : المطأطىء رأسه ، ونكس رأسه إذا طأطأه من ذلّ. وقيل : النكس في الأشياء معنى يرجع إلى قلب الشيء ورده وجعل أعلاه أسفله ومقدّمه مؤخّره.
(٢) تقدم.
(٣) المختصر (٩٢) ، البحر المحيط ٦ / ٣٢٥ ـ ٣٢٦.
(٤) لم أقف له على ترجمة فيما رجعت إليه من مراجع.
(٥) المختصر (٩٢) ، البحر المحيط ٦ / ٣٢٥ ـ ٣٢٦.
(٦) وهو قوله تعالى : «فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ» [الآية : ٦٤] من السورة نفسها.
(٧) انظر البغوي ٥ / ٤٩٦.
(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢٨٦.
(١٠) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٣٥.
(١١) فتعمل عمل (ليس).
(١٢) وذلك أنّ الفعل «علم» علق عن العمل في اللفظ لوقوعه قبل شيء له صدر الكلام وهو «ما» النافية.
انظر شرح الأشموني ٢ / ٢٩.