السنة لوجب أن يكون إرساله نقمة (١) وعذابا عليهم لا رحمة ، وهو خلاف هذا النص ، ولا يقال : إن رسالته رحمة للكفار من حيث لم يعجل عذابهم في الدنيا كما عجل عذاب سائر الأمم ، لأنا (٢) نقول : إنّ كونه رحمة للجميع على حد واحد ، وما ذكرتموه في الكفار فهو حاصل للمؤمنين ، وأيضا فإن الذي ذكروه من نعم الدنيا كانت حاصلة للكفار قبل بعثته ـ عليهالسلام (٣) ـ لحصولها بعده ، بل كانت نعمهم في الدنيا قبل بعثته كحصولها بعده وأعظم ، لأن في بعثته نزل بهم الغم والخوف ، ثم أمر الجهاد الذي فيه أكبر همّ ، فلا يجوز أن يكون هذا هو المراد.
والجواب أن نقول لما علم الله أن أبا لهب (٤) لم يؤمن ألبتة ، وأخبر عنه أنه لا يؤمن كان أمره بالإيمان أمرا يقلب علمه جهلا وخبره الصدق كذبا ، وذلك محال ، فكان قد أمره بالمحال ، وإن كانت البعثة مع هذا القول رحمة ، فلم لا يجوز أن يقال البعثة رحمة مع أنه خلق الكفر في الكافر؟ ولأنّ قدرة الكافر إن لم تصلح إلا للكفر فقط فالسؤال عليهم لازم ، وإن كانت صالحة للضدين توقف الترجيح على مرجح من قبل الله تعالى قطعا للتسلسل. وحينئذ يعود الإلزام ، ثم نقول : لم لا يجوز أن يكون رحمة للكفار تأخير عذاب الاستئصال عنهم؟ وقولهم أولا : لما كان رحمة للجميع على حد واحد وجب أن يكون رحمة للكفار من الوجه الذي كان رحمة للمؤمنين.
فالجواب : ليس في الآية أنه ـ عليهالسلام (٥) ـ رحمة للكل باعتبار واحد أو باعتبارين مختلفين ، فدعواكم بكون الوجه واحدا تحكم. وقولهم نعم الدنيا كانت حاصلة للكفار من قبل. فالجواب : نعم ، ولكنه ـ عليهالسلام (٦) ـ لكونه رحمة للمؤمنين لما بعث حصل الخوف للكفار من نزول العذاب ، فلما اندفع ذلك عنهم بسبب حضوره كان ذلك رحمة في حق الكفار.
فصل (٧)
تمسكوا بهذه الآية في أنه أفضل من الملائكة ، لأنّ الملائكة من العالمين ، فوجب أن يكون أفضل منهم. وأجيب بأنه معارض بقوله تعالى في حق الملائكة (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا)(٨) وذلك رحمة منهم في حق المؤمنين ، والرسول ـ عليهالسلام (٩) ـ داخل
__________________
(١) في ب : نعمة. وهو تحريف.
(٢) في ب : لأن. وهو تحريف.
(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٤) في الأصل : جهل.
(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٧) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢٣١ ـ ٢٣٢.
(٨) من قوله تعالى : «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا» [غافر : ٧].
(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.