وذهب أصحاب الرأي إلى أن المالك إذا لم يكن معها فلا ضمان عليه فيما اتلفت الماشية ليلا كان أو نهارا (١).
فصل(٢)
قال أبو بكر الأصم : إنهما لم يختلفا في الحكم البتة ، وأنه تعالى بين لهما الحكم على لسان سليمان. والصواب أنهما اختلفا ، ويدل عليه إجماع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وأيضا قوله تعالى : (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) ، ثم قال : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) والفاء للتعقيب ، فوجب أن يكون ذلك الحكم سابقا على هذا الفهم ، وذلك الحكم السابق إن اتفقا فيه لم يبق لقوله (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) فائدة. وإن اختلفا فيه فهو المطلوب.
فصل (٣)
احتج الجبائي على أنّ الاجتهاد غير جائز من الأنبياء بوجوه :
الأول : قوله تعالى : (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ)(٤) وقوله : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى)(٥).
الثاني : أنّ الاجتهاد طريقه الظن وهو قادر على اليقين ، فلا يجوز المصير إلى الظن كالمعاين للقبلة لا يجوز له الاجتهاد.
الثالث : لو جاز له الاجتهاد في الأحكام لكان لا يقف في شيء منها ، فلما وقف في مسألة الظهار واللعان إلى ورود الوحي دلّ على أنّ الاجتهاد غير جائز عليه.
الرابع : أنّ الاجتهاد إنما يصار إليه عند فقد النص ، وفقد النص في حق الرسول كالممتنع فوجب أن لا يجوز الاجتهاد.
الخامس : لو جاز الاجتهاد من الرسول لجاز أيضا من جبريل ، وحينئذ لا يحصل الأمان بأن (٦) هذه الشرائع التي جاء بها أهي من نصوص الله أم من اجتهاد جبريل؟
وأجيب عن الأول : أن الآية واردة في إبدال آية بآية ، لأنه عقيب قوله : (قالَ (٧) الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ)(٨) ولا مدخل للاجتهاد في ذلك.
__________________
(١) هذا الحكم قاله الإمام أبو حنيفة ـ رحمهالله ـ حيث قال : لا ضمان عليه ليلا كان أو نهارا إذا لم يكن متعديا بالإرسال لقوله صلىاللهعليهوسلم : «جرح العجماء جبار» الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٩.
(٢) في ب : قوله. وهو تحريف. هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٥ ـ ١٩٧.
(٣) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٩٦ ـ ١٩٧.
(٤) [يونس : ١٥].
(٥) [النجم : ٣].
(٦) في النسختين : أن.
(٧) في النسختين : وقال. وهو تحريف.
(٨) [يونس : ١٥].